لا شك أن مفهوم الشفافية يعد من أبرز السمات المعززة للحكم الرشيد في وقتنا الراهن، وتعزيز هذا المفهوم ينطلق من ارتباطه ارتباطاً مباشراً بمبدأ المساءلة، بيد أن الحديث عن تعزيز مفهوم الشفافية للمساءلة في مكافحة الفساد يحتم على المسئولين تقديم التفسير اللازم وبشفافية متناهية لمجمل الممارسات الادارية والمالية، وتحمل المسؤولية الناتجة عن استخدام الصلاحيات الممنوحة لهم وفق القانون، إذ تُعَدُّ الشفافية عاملاً مهماً في التخفيف من نسبة العلاقات المشبوهة وغير الشرعية المحتملة، التي قد يوصم بها المسئولين.ولعل أحد أهم متطلبات الشفافية المفترض إنتهاجها للتخفيف من نسبة تلك العلاقة المشبوهة هو الكشف عن مختلف الممارسات الإدارية والقواعد والأنظمة السلوكية والآليات المعتمدة والتصرفات المالية والإدارية للمسؤولين، حيث تُعَدُّ هذه أول خطوة لفتح المجال للإقرارعمليا بالمحاسبة في حالة عدم احترام تلك القواعد والأنظمة التي فُرِضَتْ من قبل الدولة على المسؤولين.
إن عدم القدرة على توثيق جملة الممارسات والتصرفات اللامسؤولة، وعدم القدرة على رصد الآثار الإدارية المترتبة على ممارسة الفساد، قد أدى إلى استفحال مثل هذه آلافه في البلاد، الأمر الذي يعزز من دعوتنا ‘إلى أهمية سيادة الأمانة والشفافية في تطبيق الإجراءات والأنظمة الإدارية، باعتبارها تشكّل أحد أهم المعايير المناهضة للفساد ، كما أن الوصول للأمانة المهنية في العمل يجب أن يتم تدعيمها بالإجراءات التنفيذية المقوننة، وبتوثيق الممارسات والإجراءات الإدارية وحفظ المعلومات والبيانات وكل ما يتصل بممارسة المسؤولين لمهامهم، بحيث يتحول التوثيق إلى سـلوك و ممارسـة عملية دائمة ومستمرة في مختلف مؤسسات الدولة. كما أن الشفافية في واقع الأمر تتطلب منا الكشف في الوقت المناسب عن المعلومات الملائمة والكافية، لذا ينبغي أن يضمن المسؤول قدراً من المصداقية في تبني معايير واضحة تسهم في تدفق المعلومات المتسمة بالشفافية والوضوح، مع ضرورة حماية نوع من المعلومات الحساسة لدى بعض الجهات، إلا أن القاعدة الأساسية تظل محصورة في تكريس المزيد من الانفتاح وتقديم المعلومات، على اعتبار أن المخاطر المترتبة على حجب المعلومات وعدم الكشف عن الحقائق وإحاطتها بالضبابية والغموض، يُعَدُّ المدخل للتجاوز المحتمل من قبل المسؤولين للقوانيين والانظمة المتفق عليها في إطار العقد الاجتماعي. ومن هذا المنطلق يجب أن نؤمن بأن سيادة القانون تعني بالأساس تطبيق النظام والقانون على الجميع دون استثناء، ودون العودة إلى الانتماء السياسي أو النظر إلى الموقع الاجتماعي، كما يجب أن نؤمن بأن الضرورة تستدعي سيادة القانون على أصحاب القوة والنفوذ وذوي المناصب الرفيعة قبل المواطنين، ذلك أن عدم سيادة القانون سيؤدي لا محالة إلى الظلم والاستبداد في المجتمع، ويجعل الباب يُفْتَحُ على مصراعيه لتفشي الفساد والتعسف والاعتداء على الحقوق العامة والخاصة لصالح فئة تُكَرّْس كل القرارات والقوانين من أجل خدمة مصالحها وتعزيز قوتها ونفوذها، كما سيجعل من أصحاب المناصب وأصحاب النفوذ هم صناع القرار وحدهم دون أن يتاح للآخرين المشاركة أو حتى الاطلاع على الكيفية التي يتم بها وعلى أساسها صناعة القرار الذي يمس العقد الاجتماعي الناظم لعلاقة الفرد بالمجتمع وعلاقة الفرد بالدولة. وعلى ذلك، فإن الرصد الواقعي للأداء المؤسسي والتخفيف من نسبة العلاقات المشبوهة وغير الشرعية المحتملة عن أداء المسؤولين لمهامهم بعيداً عن الفساد المالي والإداري واعتماد مستوى من النزاهة والشفافية، يجب أن يُعَزَّز من خلال اعتماد آلية يتفق على تبنيها بين مختلف أجهزة الدولة الرقابية (الهيئة العليا لمكافحة الفساد /الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة / مجلس النواب )، ويصار إلى التقييم الدوري الموضوعي المتسم بالشفافية وبما يساعد على الكشف عن الاختلالات إن وجدت في الوقت المناسب، ووضع المسؤولين موضع المساءلة تجاه كل القرارات والتصرفات المالية والإدارية التي يتخذونها، مع ضمان وجود نظام دائم للرقابة والتقييم وضبط الأداء، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على الجميع، الوزير قبل الغفير، والكبير قبل الصغير.
والله الموفـق،،،
نبيل حسن الفقيه
اضف تعليقك على الخبر