الكاتب : أشرف محمدين
الظلم وجع صامت لا يُرى بالعين المجردة، لكنه يترك في النفس ندوبًا لا تندمل، هو خنجر في خاصرة القلب، وطعنة في كرامة الروح، أن تُظلم يعني أن تُؤخذ حقوقك منك على مرأى من الجميع دون أن تملك القدرة على الدفاع، أن تُحكم دون محاكمة، وتُدان دون جرم، أن تُسلب منك الكلمة، وتُطفأ أنوار العدل أمامك، في لحظة يشعر فيها الإنسان أنه لا ينتمي لهذا العالم، أن كونه طيبًا أصبح نقمة، وأن ضعفه صار تذكرة مجانية ليمرّ عليه الطغاة فوق جسده دون رحمة، الظلم ليس مجرد سلوك عدواني يصدر عن شخص تجاه آخر، بل هو انحراف في ميزان الإنسانية، واختلال في مفهوم الحياة التي أرادها الله قائمة على الحق، هو الجريمة التي لا تحتاج إلى أدوات بل إلى غفلة ضمير، هو الموت البطيء الذي لا يُبكي المظلوم فقط، بل يُبكي كل ما بداخله من ثقة بالناس والعدل والنبل، كم من مظلوم بكى ليلًا وسكت نهارًا، وكم من قلب نقي أُتهم زورًا، وكم من نفس خُذلت من أقرب الناس حين قررت أن تحكي وجعها فزادوا عليه، الظلم لا يُنسى وإن مرّت عليه سنوات، لا يُمحى وإن تظاهر المظلوم بالنسيان، لأنه لا يُجرح الجسد بل يُكسر الروح، والروح حين تُكسر لا تُصلحها كلمات المواساة ولا الاعتذارات المتأخرة، الظلم أن ترى الحق أمامك وتُمنع منه، أن تصرخ ولا يسمعك أحد، أن يُساء فهمك، ويُفسّر صدقك على أنه خبث، وأن تُعاقب على نقاء قلبك لأن القلوب من حولك أصبحت ملوثة بالظنون، في زمن بات فيه العدل أمنية، والمروءة حكاية قديمة، والناس تنظر لمن يُظلم وكأنهم يتابعون مشهدًا سينمائيًا بلا نية للتدخل، وكأن الألم صار عرضًا يُستهلك، لا مشاعر تُحتضن، والأنكى أن يكون الظلم من أقرب الأقربين، ممن منحتهم مفاتيح قلبك، فجعلوا منها سكاكين للطعن، الظلم لا يحتاج إلى سجن، لأن المظلوم محبوس في نفسه، في وحدته، في لحظة العجز التي لم ينسَها، ويخاف أن تتكرر، الظلم حين يصدر من صاحب سلطة يُفقد الإنسان ثقته بالمؤسسات، وحين يصدر من الحبيب يُفقده الإيمان بالحب، وحين يصدر من الأهل يُشعل في قلبه غربة لا يُطفئها الزمن، وكل مظلوم يمشي على الأرض يحبس بداخله نهرًا من الدموع لم يسمح له بالسيلان، خوفًا من أن يُوصف بالضعف، أو يُسخر منه أحد، لكنه يعلم أن الله لا ينسى، وأن دعوته في جوف الليل تصل قبل أن ينطق بها، الظلم يجعل من النبلاء قساة، ومن الحالمين حذرين، ومن الطيبين أشخاصًا لا يثقون بأحد، كم من شخص ظُلم ففقد كل شغفه بالحياة، وكم من قلب انكسر فعاش جسدًا بلا روح، لكنه رغم الألم يكابر، ويبتسم، ويقول: حسبي الله ونعم الوكيل، لأن قلبه على يقين أن الحق لا يضيع، وإن تأخر، وأن الله يرى، وإن سكت الناس، وأن العدل آتٍ، ولو بعد حين، وأن كل ظالم في قلبه جرح خفي لا يلتئم، لأن الله لا يبارك في الباطل، وإن بدا مزدهرًا، وأن العدل وعد إلهي لا يخلف، وأن من ظلم سيُذل، ومن صبر سيُرفع، ومن دعا وهو موجوع ستفتح له أبواب السماء حتى وإن أُغلقت في وجهه كل أبواب البشر، الظلم باقٍ في ذاكرة الأرواح، لكن المظلوم الذي يصبر لا يخرج من المعركة خاسرًا، بل يخرج منتصرًا بكرامته، منتصرًا بإيمانه، منتصرًا بكونه لم يرد الإساءة بإساءة، بل سكت ورفع يده للسماء، وهو يعلم أن الله إن قال “وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين”، فلن يخلف وعده أبدا
الخاتمة
قد يصمت المظلوم حينًا، لكنه لا ينسى، وقد يُجبر على الصبر، لكنه لا يكفّ عن التضرّع، فدموعه حديثٌ لا يكذبه اللسان، وأنينه صلاةٌ لا تردها السماء. فلا تغترّ بصمت من ظلمت، فربّما رفع يده في غفلة منك، وناجى ربّه بحرقة لا تعلمها و”دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب”.
لا تجعل من نفسك خصمًا في محكمة لا تُرفع فيها قضاياك بل تُرفع فيها أعمالك، ولا تُصدر أحكامًا على قلوبٍ أنكرتها اليوم، فقد تكون شاهدة عليك غدًا.
واعلم أن كل دمعة مظلوم تُكتب، وكل تنهيدة مكسور تُحفظ، وكل ظلم يُقترف، يُرصَد
لكن عزاء المظلومين أن الله لا يظلم، والله لا ينسى، والله لا يخذل من توكل عليه.
اضف تعليقك على المقال