الكاتب : عبد السلام الدباء*
في فضاء الإنترنت الواسع، حيث تتلاشى الحدود بين الحقيقة والوهم، تتنامى ظاهرة خطيرة باتت تهدد الثقة والمصداقية في العالم الرقمي: وهي انتحال الشخصيات.. حيث لم يعد مستغرباً أن نجد شخصاً يكتب باسم فتاة، أو فتاة تدير حساباً باسم شاب، بل إن الأمر يتعدى التسلية أو الرغبة في لفت الانتباه، ليصل إلى استخدام أسماء وصور شخصيات سياسية وفنية ورياضية وإعلامية مشهورة لأغراض خفية تتراوح بين الخداع والتضليل، والترويج لأفكار مشبوهة أو معلومات غير موثقة.
إن هذا الانتحال لا يقتصر على التلاعب بالأسماء فقط، بل يشمل سرقة الصور الشخصية، و تقليد أسلوب الكلام، وحتى محاكاة سلوك الشخصيات الحقيقية على وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولات متقنة للإقناع بأن الحساب حقيقي.. والهدف؟ هو كسب المتابعات، او التأثير في الرأي العام، وتمرير رسائل معينة، أو حتى تحقيق مكاسب مالية أو شهرة زائفة.
ورغم أن بعض هذه التصرفات قد تبدو في ظاهرها مجرد عبث أو محاولة لكسر الملل، إلا أن الآثار المترتبة عليها خطيرة للغاية.. فعلى المستوى الفردي، يمكن أن يتعرض الضحايا لحملات تشويه، أو تُنسب إليهم أقوال وأفعال لم يرتكبوها، مما يؤدي إلى فقدان الثقة أو حتى تدمير سمعتهم.. أما على المستوى المجتمعي، فإن انتشار الحسابات المزيفة يسهم في نشر الأخبار الكاذبة، وتضليل المتابعين، وإثارة الفتن، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة الأمن المجتمعي والإعلامي والفكري.
والمثير للقلق أن بعض المنتحلين يستغلون الجوانب النفسية والاجتماعية للمتابعين، فيتقنون الحديث بلسان الفقراء أو المهمشين لكسب التعاطف، أو يتقمصون دور المشاهير للتأثير في الاتجاهات العامة، مما يُحدث تشويشاً معرفياً وفكرياً يجعل من الصعب على المستخدم العادي التمييز بين الحقيقي والمزيف.
وفي عالم اليوم فإن عمليات انتحال الشخصية لم تعد جريمة أخلاقية فقط، بل تحولت إلى تحدٍ قانوني وأمني، يتطلب من الجهات المختصة تطوير آليات رقابة إلكترونية أكثر فاعلية، وإصدار تشريعات صارمة تجرّم هذا السلوك، إلى جانب نشر الوعي الرقمي بين المستخدمين، وتعزيز ثقافة التحقق من المعلومات ومصادرها قبل التفاعل معها.
وفي هذا السياق، ولان الشيئ بالشيئ يذكر .. نستحضر في الذهن تلك الرسمة الكاريكاتورية المشهورة للفنان العالمي (بيتر سيتنز) والتي جسد فيها صورة كلب يجلس على الكرسي امام شاشة الكمبيوتر، وبجانبه كلب آخر يقول له : "في عالم الانترنت، لا أحد يعرف انك كلب." وهذا من اطرف ما يعبر عن هذه الحالة.
وختاماً.. فإن مواجهة هذه الظاهرة لا تقتصر على الجهات الرسمية فقط، بل تبدأ من المستخدم ذاته، الذي ينبغي أن يتحلى بالحذر والذكاء في التعامل مع الفضاء الرقمي.. فالعالم الافتراضي، برغم اتساعه، لا يعفي أحداً من المسؤولية، والخطوة الأولى نحو فضاء رقمي صحي هي التثبت، وعدم الانخداع بالمظاهر، ومساءلة كل ما نراه أو نسمعه.
فخلف كل حساب مزيف... حكاية خداع قد تُكلّف المجتمع الكثير.
___
*مستشار وزارة الشباب والرياضة
اضف تعليقك على المقال