الكاتب : عادل الشجاع
في مشهد يتكرر بشكل عبثي في اليمن، يتصدر النقاش العام قضايا هامشية أو تافهة في وقت تتآكل فيه الدولة من الداخل، وتفقد مؤسساتها قدرتها على فرض النظام، أو حتى على تقديم الحد الأدنى من الخدمات، هذه المفارقة تعكس هشاشة عميقة في الوعي العام، وغياباً شبه كلي لمفهوم الدولة كإطار جامع لحماية المصالح الوطنية والحقوق الأساسية..
ضبابية الوعي العام وتقديس القشور
في المجتمعات التي تنهكها الحروب ويغيب عنها الاستقرار، يصبح الوعي العام هشًّا، سهل التوجيه، سريع الاشتعال تجاه القضايا الفرعية، وكأن الناس في حالة هروب جماعي من مواجهة الحقيقة: لا توجد دولة، ولا مشروع وطني موحد، بل سلطات متنازعة، وشبه دولة هنا، ودويلة أمر واقع هناك، وسط عجز شامل في طرح السؤال الأهم: من يمثل الدولة اليوم؟ وما هو شكل الدولة التي نريدها فعلًا؟.
صمت أمام عجز “الشرعية”
الشرعية اليمنية، التي يفترض بها أن تكون الممثل الرسمي للدولة، باتت عاجزة ليس فقط عن إدارة البلاد، بل حتى عن فرض سلطتها الرمزية في المناطق التي يفترض أنها تحت نفوذها والأخطر من ذلك أن هذا العجز لم يُقابل بحراك شعبي جاد يطالب بتقويم الأداء أو الدفع نحو الإصلاح، بل يتم التعامل معه إما بالتبرير، أو اللامبالاة، أو الانخراط في معارك جانبية تغذي الانقسام وتؤجل الحل..
الشرعية اليوم تبدو كيانًا هشًا، مُحاصرًا من ميليشيا الحوثي في الشمال، ومن المجلس الانتقالي في الجنوب، وكل منهما يفرض أمرًا واقعًا على الأرض، بينما الدولة تغيب، والناس تتأقلم مع الغياب بدل مقاومته..
الدولة الممنوعة في الجنوب
المجلس الانتقالي، بما يملكه من نفوذ عسكري وسياسي، فرض نفسه كحاكم فعلي في بعض المحافظات الجنوبية، معرقلًا أداء الحكومة ومصادرًا سلطتها ولا يقتصر الأمر على صراع نفوذ بين مكونات سياسية، بل يمتد ليصبح نفيًا تدريجيًا لفكرة الدولة المركزية، واستبدالها بسلطات أمر واقع، لا تحكم بالشرعية، بل بالقوة..
في ظل هذا الوضع، أصبح مألوفًا أن تُمنع الحكومة من أداء واجباتها في عدن، أو أن تُفرض إملاءات خارج نطاق الدستور، دون أن يُقابل ذلك برد شعبي رافض لهذا التهميش الواضح للدولة..
لماذا لا نرى الخطر الحقيقي؟
جزء من المشكلة يعود إلى غياب ثقافة الدولة لدى المواطن نفسه، الذي لم يترسخ لديه مفهوم الدولة كضامن للحقوق والحريات والعدالة، ومع تصاعد الأزمات، باتت الدولة في المخيلة الشعبية مرادفة للفساد والعجز، لا للمواطنة والكرامة..
هذا الفراغ الفكري سمح للقوى المحلية (كالحوثيين والانتقالي) أن تطرح نفسها كبدائل “واقعية”، رغم أنها تفتقر لمشاريع وطنية حقيقية، وتعتمد على منطق الإقصاء والقوة، وليس على التوافق والدستور..
الخلاصة: لا بد من استعادة الوعي أولًا
قبل أن نطالب بحل سياسي، أو نحلم بإعادة بناء الدولة، علينا أن نعيد بناء الوعي العام، فلا دولة بدون مواطن يعرف حقوقه، ويدرك خطورة التفكك، ويرفض الانجرار خلف القضايا الهامشية..
إن الطريق إلى استعادة اليمن لا يبدأ من اتفاقات النخبة فقط، بل من صحوة شعبية ترفض اختزال الوطن في ولاءات مناطقية أو طائفية، وتُصر على أن الدولة ليست خيارًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية..
*من صفحة الكاتب بالفيسبوك
اضف تعليقك على المقال