الكاتب : مصطفى المخلافي
لم تكن الوحدة اليمنية التي أُعلنت في الـ 22 مايو 1990 نتاج لحظة عابرة أو صفقة ظرفية بين سلطتين، بل كانت خلاصة مسار نضالي طويل عبر عن إرادة شعبية عميقة، تطلعت منذ فجر الاستقلال إلى دولة يمنية موحدة قوية وذات سيادة، ولذا مثلت الوحدة استجابة واعية لاستحقاقات الواقع، ومواجهة عقلانية لمخاطر التشرذم والتفكك التي كانت وما زالت سلاحاً مفضلًا في يد القوى الإقليمية والدولية العابثة بالأمن القومي العربي.
في البدء لم تكن الجغرافيا اليمنية تعرف اسمها الكامل، كانت تمشي بنصف قلب، وتنام كل ليلة على حدود حلم مبتور، شمال يحلم بالوحدة، وجنوب يتلمس وحدتهُ على الأطلال، وفي صباح صيف الثاني والعشرون من مايو المجيد، نهض اليمن، وتصافحت الأيادي فوق خريطة ممزقة استعادت فيه الأرض ذاكرتها، واستقام فيه الشجر على جذوره.
في ذلك الوقت أمسك الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح بخيوط دولة ممزقة، وراح يلملمها بما توفر له من إمكانيات، كانت الخريطة اليمنية آنذاك ملونة بالدم ومهددة بالعديد من المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية، لكن صالح بحنكته، اعاد للخريطة نبضها، وشموخها وسيادتها بين الأمم.
لقد أثبتت التجربة أن المشاريع الانفصالية سواء بلباسها القومي أو المناطقي لا تحمل رؤية وطنية جامعة، ولا تؤمن بمبدأ المواطنة، ولا تملك قدرة على بناء دولة حديثة، بل هي انعكاس مباشر لحالة من الإفلاس السياسي والأخلاقي، وانجرار خلف أوهام التقسيم التي لن تُفضي إلا إلى تسريع انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة وتعميق مأساة المواطن اليمني الذي سيدافع عن وحدتهُ حتى آخر لحظة.
إن من يرفع رايات الانفصال اليوم، متذرعاً بالحقوق والمظلومية، لا يسعى إلى إنصاف الوطن أو تصحيح المسار، بل يعيد إنتاج خطاب ميت لفظه الشعب وأسقطه التاريخ، وما تطرحه أدوات الخارج ليس مشروع دولة، بل مشروع تمزيق، يُدار بأموال الخارج وينفذ أجندات لا علاقة لها بالوطن ولا بمصالح أبنائه، هذه ليست معركة حقوق، بل معركة على هوية الدولة اليمنية، ومن يقف في صف الانفصال اليوم يضع نفسه في مواجهة الإرادة الوطنية الجامعة، ويصطف بوضوح في معسكر التبعية والارتهان.
إن الوحدة اليمنية وبرغم كل ما تعرضت له من ضربات ممنهجة من حرب صيف 1994 إلى الصراعات المتعاقبة، تظل الحقيقة الثابتة في المعادلة اليمنية، فهي ليست مجرد ترتيبات إدارية بين شطرين، بل هي صيرورة تاريخية لا يمكن التراجع عنها، مهما حاولت القوى العميلة التشويش عليها.
أما دعاة الردة والانفصال، فقد باتوا اليوم أداة بيد مشاريع الفوضى، وشركاء في تمزيق النسيج الوطني، وخصوماً مباشرة لإرادة الشعب، فيما خطابهم المتشنج، وتوجهاتهم المدعومة خارجياً لن تنتج كياناً سياسياً مستقراً، بل ستفتح الأبواب أمام صراعات جديدة أكثر عنفاً وأكثر تكلفة.
لقد ولدت الوحدة من رحم الإرادة الشعبية، وترسخت بالدم، وستبقى ما بقي اليمنيون على هذه الأرض، ولن يكون هناك مستقبل مستقر لليمن إلا تحت مظلة دولة الوحدة، دولة عادلة وقوية، تكون قادرة على حماية سيادتها وفرض القانون، وتمثيل كل أبنائها دون تمييز أو إقصاء.
نحن اليوم لسنا بحاجة إلى شعارات انفصالية ملونة بالدم، بل إلى خطاب وطني يعيد الاعتبار للهوية اليمنية الجامعة، ويحترم الإرادة الشعبية، دون أن يفرط بالثوابت، فالوحدة ليست عبئاً على أحد، بل هي الضمان الوحيد لبقاء اليمن، فالتاريخ لن يرحم المتورطين في خيانة الأوطان، ولا يُنصف المتقلبين حسب المصالح، وسيذكر التاريخ دعاة التمزيق، لا كصناع دولة، بل كحفاري قبور.
ختاماً:
لقد وجدت الوحدة اليمنية لتبقى، وستتحطم على صخرتها الصلبة كل مشاريع التمزيق، فمن راهن على تقسيم اليمن إنما يُراهن على سراب، وسيُسحق تحت ثقل إرادة شعب لا يقبل أن يُقسم وطنه أو يُساوم على هويته.
اضف تعليقك على المقال