مقالات حرة

أمريكيون ولكن.. عرباً ومسلمين

 

الكاتب : أديب المنصوري

تحمي القوانين النافذة في “الولايات المتحدة الأمريكية” حُريّة الإنسان، بما فيها حرية المعتقد، وممارسة الشعائر الدينية، واختيار اللغة، والجهة التي يتلقّى تعليمه فيها.
وتُقدّم الولايات المتحدة، أحد النماذج الرائدة على مستوى العالم، في حق الإنسان في التفكير والتعبير عن آراءه وكل ما يتعلق بحياته الشخصية، وأيضاً، فيما يتعلق بحقوقه المكفولة للمشاركة في الحياة العامة، مثل الحق في الترشح والتصويت في الإنتخابات، والمشاركة في الأنشطة المجتمعية وغيرها.
إن حقوق الجاليات العربية والمسلمة في التعبير عن نفسها وممارسة شعائرها الدينية، مكفولة بقوة القوانين السارية في هذا البلد، ونحنُ نشعر بالإعتزاز بانتمائنا له وتواجدنا فيه، ونشعر بالإمتنان لما نتمتع به من حُريّاتٍ، وقدرة على ممارسة حياتنا بشكلٍ طبيعي دون التعرض لمضايقاتٍ أو محاولات لإجبارنا على الاقتناع بأفكارٍ أو معتقدات غير التي اخترناها لأنفسنا.
وانطلاقاً من المعتقدات التي نحملها، والتي تتمثلُ بالدين الإسلامي والهوية الثقافية العربية، فإننا حينما نتحدث عن الحُريّة، نتحدث عن المبدأ الأساس الذي تقوم عليه حياة الإنسان، وتنطلق منه سلوكياته وتصرفاته.
إن الحرية هي جوهر نظام التخيير والاختيار الحر، الذي يترجم الإنسان من خلاله أفكاره وإرادته إلى أفعالٍ على أرض الواقع. وحينما نضمن للإنسان حريته، نستطيع بناء ردود الأفعال تجاهه: بالتقدير والدعم والموافقة حينما يكون على صواب، وبالمخالفة والحساب حينما يكون على خطأ، وبالجزاء والعقاب حينما يرتكب جريمة. وبهذا المعنى فنحن مع الحرية المسؤولة، الحرية التي تؤدي لنمو وازدهار المجتمع وتحافظ على تماسكه وبما يتوافق مع ضمان حق الآخرين واحترام خصوصياتهم؛ ولسنا مع الحرية غير المنضبطة، والتي قد تؤدي لإشاعة الفوضى والانفلات، وانعدام الضوابط والأخلاقيات العامة.
على امتداد عقودٍ طويلةٍ من الزمن، استطاع أبناء الجاليات العربية والإسلامية، المُقيمين في الولايات المتحدة، أن يُقدّموا نموذجاً إيجابيا وفاعلاً، في أوساط المجتمع الأمريكي، وحققوا انجازات شخصية وانجازات للبلد الذي أصبح وطنهم الثاني، متمسكين – في ذات الوقت – بخصوصيتهم وهويتهم الثقافية والدينية، لا سيما أبناء الجيل الذين نشأوا وترعرعوا في الوطن الأم، والذين جاءوا إلى أمريكا، وهم يحملون في عقولهم وضمائرهم، الأساس الديني والفكري الراسخ الجذور، والذي يتيح لهم التعايش مع الآخرين، بما لا يؤثر على قناعاتهم.
وفي سبيل الاستمرار في الحضور الإيجابي المتعايش، مع الحفاظ على هويتنا الدينية وخصوصياتنا الثقافية، فإننا نتحمل مسؤولية تربية وتنشئة وتوجيه الأجيال الجديدة من أبنائنا وبناتنا، الذين ولدوا في هذا البلد، ووجدوا أنفسهم في مجال عامٍ لا سقف لحرياته، وبين المجتمع الأمريكي الكبير الذي تتعدد فئاته ومكوناته، وتوجهاته الدينية.
إن تربية الأطفال مواليد هذا البلد، والذين ينتمون لأسرٍ عربية ومسلمة، يعد عملاً صعباً وهاماً، ويتطلب الكثير من الوعي والجهد، والسعي المشترك بين أبناء الجاليات العربية والإسلامية، لإقامة ورعاية مشاريع تعليمية، تعتمد على الثقافة العربية والإسلامية في المناهج والأساليب والأفكار التي تُقدّمها.
صحيحٌ، أن هناك العديد من المدراس والمراكز العربية والإسلامية، التي تقوم بهذه المهمة، ولكننا بحاجةٍ إلى تعزيز الجهود في هذا الإطار، إلى التوسع في إنشاء هذه المراكز، وتدعيم هذا التوجه بكل الوسائل المتاحة والممكنة. ويجب تنظيم جلسات وندوات للنقاش وتبادل الأفكار، للخروج بتوصيات ونتائج تتحول إلى إنجازات ملموسة على أرض الواقع، تُكرّس حقنا في الحفاظ على هويتنا كجالياتٍ عربية ومسلمة، وبما يضمن لنا تنشئة أطفالنا وشبابنا بطريقةٍ صحيحة ووعي سليم مستقيم. نريد أن نرى أبنائنا يمضون في دروب الحياة، محافظين على إرثهم الإيجابي، متمسكين بدينهم الحنيف وثقافتهم الأصيلة، مواصلين الحضور والتألق الذي صنعه الآباء، وهم يشعرون بالإعتزاز بهويتهم العربية والإسلامية.
هذه مسؤوليتنا، الآن، وفي هذه اللحظة، جيل المستقبل يتشكّل بقراراتنا وبما نستطيع أن نُقدّمه من أجلهم. وكما قال نبينا وحبيبنا “محمد” صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى