يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

طبطبة الله - الأمان لقلب أنهكه التعب

أشرف محمدين

الكاتب : أشرف محمدين 

في أكثر لحظات الإنسان انكسارًا، حين تضيق الأرض بما رحبت، وحين تتساقط الأقنعة، وتسقط القوة الزائفة، ولا يبقى في القلب إلا التعب الخالص… هناك شيء واحد فقط قادر على أن يُعيد الروح من حافة الانهيار: طبطبة الله.
ليست كل الأوجاع تحتاج حلولًا، ولا كل الانكسارات تطلب تفسيرًا، بعض الجروح لا يُرممها منطق ولا يُسكنها كلام، لكنها تهدأ فجأة حين تمتد يد غيبية رقيقة إلى القلب وتقول له: “أنا معك”. تلك هي طبطبة الله… التي لا تُرى، لكنها تُشعَر. لا تُسمَع، لكنها تُغيّر كل شيء.

نعيش الحياة ونحن نُتقن التماسك أمام الناس، نبتسم، نُجامل، نُجيد الصمت، ونُظهر من القوة ما يكفي لنقنع الجميع أننا بخير، بينما في الداخل حرب لا يراها أحد. نحارب وحدنا، نتعثر وحدنا، وننزف بصمت. وفي ذروة هذا الصمت، يفعل الله ما لا يفعله بشر: يربت على قلبك دون مقابل، يواسيك دون شرح، ويمنحك طمأنينة لا تفهم كيف جاءت… لكنها جاءت.

طبطبة الله لا تشبه شيئًا آخر في هذا العالم. لا تحتاج أسبابًا، ولا ترتبط باستحقاق بشري. هي رحمة خالصة، تسقط على القلب فجأة كنسمة باردة في قيظ محترق. تشعر فجأة أن صدرك اتسع بعد ضيق، أن دمعتك نزلت ثم جفّت، أن حُزنك ما زال موجودًا، لكنه فقد حدّته القاتلة.

أجمل ما في طبطبة الله أنها لا تُحاسبك على ضعفك. البشر يفعلون. يلومونك لأنك تعبت، يوبخونك لأنك لم تعد تتحمل، يطالبونك بالقوة وأنت على وشك السقوط. أما الله… فيحتوي ضعفك كما هو، لا يطالبك بالتماسك، بل يسمح لك أن تنهار بين يديه، ثم يعيدك واقفًا من جديد.
في لحظة ضعف، قد تفقد ثقتك في نفسك، في الناس، في الوعود، في الأحلام، لكنك حين تُجرّب طبطبة الله مرة واحدة، تدرك أن هناك ظهرًا لا ينكسر، وسندًا لا يخون، ورحمة لا تنفد. تدرك أن الله لم يتركك لحظة، وإن بدا لك الطريق طويلًا ومظلمًا
كم مرة ظننت أن الأمور انتهت؟ وكم مرة وصلت لقناعة أنك لم تعد قادرًا على الاحتمال؟ ثم فجأة… حدث شيء صغير، كلمة، موقف، دمعة، سجدة، دعاء مكسور، فشعرت أن قلبك عاد يتنفس. هذه ليست مصادفة. هذه طبطبة الله.

طبطبة الله لا تُغيّر الواقع دائمًا في لحظتها، لكنها تُغيّرك أنت. تجعلك أقدر على التحمل، أهدأ في موجة العاصفة، أشد تماسكا أمام الانكسار، أكثر رضا أمام ما لا تفهمه، أكثر يقينًا أن القادم — مهما تأخر — يحمل في طياته حكمة أكبر مما تتصور
وهنا تكمن المعجزة الحقيقية: أن يمنحك الله سلامًا في قلبك، بينما كل الأسباب حولك تدعوك للخوف. أن يُسكب الطمأنينة في صدرك وأنت وسط الفقد، أن تشعر بالأمان وأنت محاصر بالأسئلة. هذه ليست طمأنينة عابرة… هذه يد الله على قلبك.

في وقت ضعفك، لا تحتاج مائة شخص، ولا ألف كلمة، ولا وعودًا كبيرة. تحتاج فقط أن تشعر أن الله قريب، أنك لست وحدك، أن ما تمر به ليس عبثًا، وأن كل دمعة لها حساب، وكل وجع له معنى، وكل تأخير له توقيته الصحيح.

طبطبة الله تذكّرك أنك عبدٌ محبوب، لا مجرد إنسان منهك. أنك لست مهمَلًا في زوايا الكون، بل مُلاحظ، مُراعى، محفوظ بعين لا تنام. وأن ضعفك ليس سقوطًا من مقامك، بل طريقًا يقرّبك أكثر من الله
لا يوجد شيء على وجه الأرض أجمل من “طبطبة الله” على قلبٍ أنهكه التعب، وأتعبته الخيبات، وأوجعته الطرق الطويلة التي سارها وحده. تلك الطبطبة التي لا تُرى، ولا تُسمَع، لكنها تُحَسّ… وتسري في الروح سريان الماء في الأرض العطشى. طبطبةٌ لا تشبه أي عزاء بشري، لأنها لا تعتمد على الكلمات، بل على السكينة. لا تعتمد على الوعود، بل على اليقين
حين تضيق الدنيا بكل اتساعها، وتزدحم الصدور بما لا يُحتمل، وحين تجد نفسك محاصرًا بالأسئلة، مثقلًا بالخذلان، متعبًا من المحاولة، تأتيك طبطبة الله في لحظة لا تتوقعها… في دمعة تنزل دون استئذان، في صدر يهدأ فجأة، في باب يُفتح بعدما ظننته أُغلق للأبد. فتفهم – دون شرح – أن الله كان معك في كل ما ظننته غيابًا، وكان يراك في كل مرة حسبت أنك وحدك
طبطبة الله لا تُنهي الألم فورًا، لكنها تعطيك قدرة خارقة على احتماله. لا تمسح الوجع دفعة واحدة، لكنها تُبدّل شعورك تجاهه. تُعلّمك أن تُكمِل الطريق بقلبٍ مكسور لا مهزوم، وبروحٍ متعبة لا يائسة. تعلمك أن بعض الانكسارات ليست نهاية، بل إعادة تشكيل، وأن بعض الخسارات ليست عقابًا، بل حماية خفية لا ندرك حكمتها إلا بعد زمن.

ما أجمل أن تشعر وأنت في قمة ضعفك أن هناك من يقول لك بلطف لا يُسمع:
“أنا معك… لا تخف”.
أن تشعر أن يدًا رحيمة تربّت على روحك في منتصف العتمة، فتقف من جديد، لا لأن جراحك التأمت، بل لأنك لم تعُد وحدك في مواجهتها
طبطبة الله تُعيد للروح توازنها، حتى لو ظل القلب ينزف. تُصلح داخلك شيئًا لا يستطيع البشر الوصول إليه. تُعيد ترتيب الفوضى التي أحدثها البشر فيك. تمنحك سلامًا لا يفهمه من لم يذق مرارة الانكسار، ولا يعرفه من لم يمرّ بليلٍ طويلٍ ثقيلٍ بلا رفيق.
وفي النهاية
نحن لا ننجو بقوتنا، ولا بصبرنا وحده، ولا بحيلتنا في التماسك أمام الناس. نحن ننجو لأن الله قرر أن يربّت على قلوبنا في اللحظة التي كادت فيها أن تنكسر إلى الأبد. ننجو لأنه اختار أن يحتوينا حين عجز الجميع عن فهمنا، وأن يطمئننا حين صار الخوف لغتنا الوحيدة
فطوبى لمن ذاق طبطبة الله في ضعف
لأن من ذاقها، لن يخاف بعد اليوم من السقوط،
ولن ييأس من الطريق،
ولن يظن أن الله يترك عباده وحدهم في منتصف الألم.

اضف تعليقك على المقال