الكاتب : عبدالسلام الدباء*
في وطنٍ أنهكته الحروب، وتنازعته الولاءات، وتوزعته الخيبات، يطفو على السطح سؤالٌ يبدو بسيطاً في شكله، لكنه عميق في مضمونه: أيهما أهم لليمن اليوم: الاستقلال أم الاستقرار؟.. سؤالٌ يحمل بين طياته مرارة الواقع، وحِيرة وطنٍ يبحث عن ذاته وسط غبار الانقسام وضجيج السلاح..
منذ سنواتٍ طويلة، يعيش اليمن حالة لا تُشبه إلا نفسه.. فلا هو المستقل تماماً القادر على اتخاذ قراره السيادي بحُرية، ولا هو المستقر الذي ينعم أبناؤه بالأمن والعدالة والكرامة.. فـ"الاستقلال" الذي يتغنّى به البعض لا يتجاوز في كثير من الأحيان حدود الشعارات، إذ تتداخل فيه أجندة الخارج، وتتشابك معه مصالح الداخل، حتى بات القرار الوطني موزَّعاً بين أطراف متناحرة كلٌّ منها يدَّعي وصلاً بالوطن، وهو في الحقيقة يقتات من جِراحه..
الاستقلال في جوهره ليس انسحاباً شكلياً للقوى الأجنبية، بل هو قدرة الدولة على امتلاك قرارها الحر، وإدارة مواردها بما يخدم مصلحة المواطن.. وما لم يتحقق ذلك، فإن الاستقلال يصبح وهماً سياسياً، لا يختلف كثيراً عن الاحتلال، سوى في اللغة والشعارات.. وفي المقابل، فإن الاستقرار هو الثمرة الطبيعية لاستقلالٍ حقيقيٍّ وعادل؛ فلا يمكن لدولةٍ مرتهنةٍ للخارج، أو ممزقةٍ من الداخل، أن تنعم بالأمان والتنمية والسلام..
في الواقع اليمني اليوم، نرى بعض الأطراف ترفع راية "التحرُّر"، بينما تمارس على الأرض نقيضه؛ تغذّي الانقسام المناطقي، وتزرع الكراهية المذهبية، وتعمل على تفكيك النسيج الوطني.. تُتاجر بشعارات الاستقلال لتضمن مصالحها الخاصة، ولو كان الثمن تمزيق الوطن.. وهكذا يتحول المشروع الوطني الجامع إلى مشروعاتٍ صغيرة تُدار بعقلية المزرعة لا الدولة، ويُستبدل حُلم اليمن الواحد بتنازع الرايات والمناطق والنفوذ..
وفي ظل هذا المشهد المأزوم، تتراجع الأصوات العاقلة، ويغيب الوعي، وتعلو لغة السلاح على لغة الحوار.. أما الشعب، فقد أرهقته الشعارات، ومَـلَّ الوعود، وأدرك أن لا استقلال حقيقي بدون نزاهة، ولا استقراراً دائماً بدون عدالة.. فحين تتقدم المصالح الخاصة على المصلحة العامة.. وحين يتحول الوطن إلى غنيمة، فإن كل شعارات السيادة والاستقلال تصبح مجرد قصائد وطنية تُلقى في المناسبات، لا تُطعم جائعاً، ولا تداوي جُرحاً..
ومع ذلك، لا يزال في هذا الوطن متسعٌ للأمل.. فما دامت هناك عقول تفكر، وضمائر حية تؤمن بأن اليمن لكل أبنائه، فثمة فرصة لاستعادة البوصلة.. فالوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالمواقف الصادقة، وبإعلاء قِيَم المواطَنة والعدالة والحرية.. واليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، يحتاج اليمن إلى عقلٍ وطنيٍّ جامع يعلو على النزعات الصغيرة، ويعيد صياغة الحُلم الكبير: يمنٌ واحدٌ حُـرٌّ ومستقر، من المهرة إلى صعدة، لا مكان فيه للكراهية ولا للانقسام..
لكن، يبقى السؤال الذي ربما يشغل كل يمني:
إذا كان الاستقلال بلا نزاهة يُورث الفوضى، والاستقرار بلا عدالة يُورث القهر.. فهل نملك الشجاعة لنختار أيّ طريقٍ الثالث؟، طريق يقودنا نحو الوطن الحقيقي الذي نحلم به ؟!
___
*مستشار وزارة الشباب والرياضة







اضف تعليقك على المقال