يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

الحكومة الإلكترونية.. آخر أحلام اليمنيين !!

عبدالسلام الدباء

 

الكاتب : عبد السلام الدباء*

في بلادنا التي أنهكتها الصراعات وتنازعتها المصالح، يبدو الحديث عن “الحكومة الإلكترونية” أشبهَ ما يكون بنكتةٍ سياسية أو حلمٍ تقنيٍّ من كوكبٍ آخر، لكنه في الحقيقة قد يكون الحلَّ الأكثر واقعيةً وسط هذا الركام من الفوضى والفساد و اللاشفافية .. فاليمن اليوم لا يفتقر إلى الثروات ولا إلى العقول، بل إلى نظامٍ واحد يحكم بالكفاءة لا بالولاء، وبالقانون لا بالوساطة، وإلى إدارةٍ تعرف معنى المسؤولية لا معنى الغنيمة.

وحين تغيب الرؤية الوطنية وتضعف القيم في كل دوائر القرار ولدى كل الأطراف، عندها يتحول الوطن إلى ساحةٍ مفتوحةٍ للمصالح الشخصية والنفوذ.. وتصبح مؤسسات الدولة كياناتٍ متثاقلةً، تتحرك بالولاء لا بالواجب، وتُدار بالعاطفة لا بالعقل.. وفي هذا المناخ المربك، تزدهر الفوضى كما يزدهر العفن في العتمة.

من هنا، يبرز السؤال الذي يبدو خيالياً للوهلة الأولى:
هل يمكن أن تُدار اليمن بحكومةٍ إلكترونيةٍ ذكية؟
تخيّلوا حكومةً لا تعرف الانتماءات المناطقية ولا المذهبية، ولا القبلية .. حكومة لا تخضع للرشوة ولا تعرف الواسطة، و لا تكذب في بياناتها ولا تنام في اجتماعاتها ! .. حكومة لا تميّز بين إبن صعدة وإبن عدن، ولا بين إبن حضرموت وإبن تعز .. حكومة لا ترى في المواطن رقماً، بل ترى فيه قيمة.

إن فكرة “الحكومة الإلكترونية” ليست مجرد ترفٍ تقني، بل ضرورةٌ وطنية في زمنٍ أصبحت فيه البيروقراطية سلاحاً لتعطيل الدولة، والفساد شبكةً تتحكم خيوطُها في كل المؤسسات .. ومن هنا فإن الحكومة الرقمية يمكن أن تكون البدايةً لشفافيةٍ حقيقية، تُعيد الثقة المفقودة بين المواطن والسلطة، وتحوّل الخدمات من “امتيازات” إلى حقوقٍ متاحةٍ للجميع.

وأقترح — ولو على سبيل الخيال الجاد — أن تتولى الصين صناعة هذه الحكومةٍ الإلكترونيةٍ لليمن مثلما تصنع هواتفها ومنتجاتها: عالية الجودة ومنخفضة التكلفة ! .. أليس من المدهش أن يبدو هذا الطرح أكثر واقعيةً من انتظار “إصلاح” النخب السياسية الحالية؟

فكّروا بالأمر قليلاً... ماذا لو صمّمت الصين حكومةً يمنيةً ذكيةً تعمل بالذكاء الاصطناعي، تُعيّن الوزراء وفق الكفاءة، وتُقيلهم بكبسة زرٍّ إن قصّروا؟ حكومةٌ لا تخضع للقبيلة، ولا تخاف من "الوجاهة"، ولا تحتاج إلى المؤتمراتٍ ولا البيانات؟ ولا تستخدم التظليل الاعلامي ولا تمجد المسؤلين .. ربما كانت ستفعل ما لم تفعله حكوماتُنا منذ عقود: آي أن تخدم الشعب فعلاً.

قد تبدو الفكرة مضحكة، لكنها تحمل في داخلها وجعَ الحقيقة: حين يفشل البشر في إدارة الوطن، يصبح الحلمُ بآلةٍ عادلةٍ أقلَّ جنوناً من الرهان على بشرٍ لا يعرفون العدالة.. فهل حان الوقت لنقول للصين: اصنعوا لنا حكومةً... كما تصنعون الهواتف!
حكومةٌ تعمل بالبرمجة لا بالمزاج، وتُحاسَب بالكود لا بالمجاملة، وتعرف المواطن بصفته إنساناً لا بانتمائه!

لكن، لنتوقف قليلاً...
هل المشكلة فعلاً في شكل الحكومة، أم في طبيعة من يديرها؟ .. فما جدوى أن نصنع حكومةً إلكترونيةً، إذا بقيت العقول التي تُغذّيها “تنتمي” قبل أن “تخدم”، وتُجامل قبل أن تُنجز، وتُقسِّم الوطن قبل أن تُصلحه؟

الحكومة الإلكترونية لن تكون عصاً سحرية، لكنها قد تكون نافذةَ ضوءٍ تفتح طريقاً نحو الشفافية والمساءلة، بشرط أن يُرافقها وعيٌ وطنيٌّ يُدرك أن التكنولوجيا بلا قيم لا تبني دولة، وأن العدالة لا تُصنع بالأسلاك والمُعالجات الإلكترونيه، بل بالضمير أولاً.

اليمن لا يحتاج إلى روبوتاتٍ تحكمه، بقدر ما يحتاج إلى إنسانٍ جديدٍ يؤمن بأن الوطن أكبر من الطائفة، وأقدس من المصلحة، وأبقى من الكرسي.. فالتكنولوجيا يمكنها أن تنظّم الحياة، لكن من يُعيد للحياة معناها هم البشر الصادقون الذين لا يختبئون خلف الشاشات، بل يقفون في الميدان ليبنوا وطنهم بضميرٍ حيٍّ وإرادةٍ نزيهة.

ومع ذلك...
تبقى فكرة “الحكومة الإلكترونية” جديرةً بالتأمل، وربما بالتجربة أيضاً، ولو من باب الاختبار .. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنقذ ما دمّره الذكاء البشري؟
أم أننا سنحتاج يوماً إلى “روبوتٍ يمنيٍّ” يُبرمج ضميرنا أولاً، قبل أن يُبرمج حكومتنا ؟

هذه الأسئلة قد تبدو عند البعض ضرباً من الدعابة، لكن في اليمن، حين تضعف الثقة بالبشر، تُصبح الآلات أكثر طمأنينةً.. ولربما كانت "الروبوتات" — على مفارقتها — أرحمَ باليمنيين من بعض البشر..

الموضوع يستحق النقاش... 
أليس فيه ما يدعو إلى التأمل؟ 
بل وربما... إلى شيءٍ من الضحك!
فكّروا بالأمر..!
___
مستشار وزارة الشباب والرياضة
.

اضف تعليقك على المقال