يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

المرأة التي حكمت عليها الظروف أن تكون بلا رجل - تجدها في كل المواقف بمليون رجل

أشرف محمدين

الكاتب : أشرف محمدين 

ليست كل النساء خُلقن ليعشن في كنف رجل يَحمل عنهن ثِقل الحياة. بعضهن كُتب عليهن أن يواجهن الحياة بمفردهن، إما بقدرٍ قاسٍ، أو برحيلٍ مفاجئ، أو بخيارات فرضتها الأيام. لكن العجيب أن هذه المرأة، التي تظنها ضعيفة لأنها بلا سند، تتحوّل أمام التحديات إلى قوة لا تُقهر، فتراها في كل موقف بمليون رجل.

المرأة التي لا تجد كتفًا تستند إليه، تصنع من قلبها كتفًا يحتمل هموم الدنيا. والمرأة التي لا تجد يدًا تُمسك بها، تمدّ يديها لتحتوي الجميع. وكأن غياب الرجل عن حياتها أطلق في داخلها رجولة صامدة لا تُنقص من أنوثتها، بل تضيف إليها بعدًا جديدًا من العظمة.

في لحظات المرض، تكون الممرضة لنفسها ولمن تحب. في مواجهة الصعاب، تتحول إلى قائد يعرف كيف يوجّه المركب وسط العواصف. في تفاصيل الحياة اليومية، تراها تتحمّل أعباء العمل والبيت معًا، وتؤدي كل دور وكأنها وُلدت له. وإذا هزمتها الدموع في خلوتها، فإنها تعود لتبتسم في العلن، حتى لا يشعر من حولها بضعفها.

هذه المرأة لا تعيش بلا رجل لأنها لا تستحق الحب، بل لأنها اختارت أن لا تساوم على كرامتها، أو لأن القدر امتحنها بما هو أصعب. لكنها خرجت من الامتحان بأوسمة القوة، وجعلت من غياب السند مدرسة تعلمت فيها كيف تكون هي السند.

إنها ليست ضد الرجل، وليست منافسة له، لكنها نسخة نادرة من الإنسانية، تثبت أن المرأة حين تُجبر على حمل أدوار ليست لها، فإنها تُتقنها بمهارة مدهشة. بل إنك قد تراها وهي تُدير الأزمات بحكمة وحنكة، فتتساءل: كيف لهذا الكائن الرقيق أن يُخفي داخله صلابة جبال، وأن يحتوي في قلبه رقة أمومة وقوة مقاتل في آن واحد؟

ولعل أجمل ما يميزها أنها لا تفقد أنوثتها رغم كل هذه القوة. فهي تُقاتل وتُدافع وتتحمل كجيش، لكنها في أعماقها لا تزال تلك الأنثى الحالمة التي تحتاج للحب، وتستحق أن تُحتضن برفق. لكن حتى إن لم تجد هذا الحضن، فإنها تعلمت أن تحضن نفسها بنفسها.

هذه المرأة هي شهادة حيّة على أن القوة ليست حكرًا على الرجال، وأن العظمة لا ترتبط بالنوع، بل بالروح والإرادة. هي رسالة صامتة لكل من يظن أن المرأة لا تكتمل إلا برجل، لتقول: “أنا مكتملة بذاتي، أنا قوية بقدري، أنا أمة وحدي.”
قد تظل هذه المرأة تحلم برجل يقدّر قوتها ولا يخاف منها، يُكملها ولا يُنقصها، يكون لها سندًا لا عبئًا. لكن حتى لو لم يأتِ هذا الرجل، فإنها ستظل واقفة شامخة، تحمل لقبًا لا يمنحه المجتمع، بل تمنحه التجارب: امرأة بألف رجل… ومليون قلب
وفي النهاية، تبقى المرأة التي حكمت عليها الظروف أن تسير بلا رجل صورة من صور القوة الإنسانية النادرة. هي ليست امرأة عادية، بل مدرسة من الصبر والتحمل والعطاء. تقف وحدها، لكنها في الحقيقة تقف ومعها ألف معنى، وألف تجربة، ومليون رجل من الصلابة والإرادة. قد تظنها من بعيد هادئة، لكنها في العمق بركان من العزم، وقلعة من الكبرياء، وبحر من الحنان لا ينضب.

إنها المرأة التي تعلّمت كيف تبني بيتًا بأعمدتها الخاصة، وتضيء ظلام الأيام بنورها الداخلي، وتحوّل الخوف إلى شجاعة، والخذلان إلى درس، والدموع إلى ابتسامة متماسكة. هي المرأة التي أدركت أن الحياة لا تنتظر، وأنه لا بد أن تكون سندًا لنفسها، وقوةً لأولادها، ودرعًا يحمي أحلامها. وحين تفعل ذلك، فهي لا تتحدى الظروف فحسب، بل تكتب حكايةً أكبر من الظروف نفسها.

قد يظن البعض أن غياب الرجل عن حياتها يعني نقصًا أو عجزًا، لكن الحقيقة أنها أثبتت أن الرجولة ليست حكرًا على الرجال، بل هي موقف، ومسؤولية، وشرف في مواجهة الأيام. في كل لحظة تتخذ فيها قرارًا صعبًا، أو تتحمل ألمًا صامتًا، أو تدير معركة الحياة بشجاعة، فتجدها تقوم بتربية أبناءها وحدها و تتحمل صعاب الحياة المادية و القهرية و تخرج بهم الي بر الأمان في أصعب و أحلك الظروف - فإنها تضيف إلى رصيد إنسانيتها لقبًا جديدًا: “امرأة بألف رجل”.

ولعل أجمل ما في حكايتها أنها لا تفعل ذلك لتثبت شيئًا للآخرين، بل لتثبت لنفسها أنها قادرة، وأنها تستحق، وأنها لم تُخلق لتنكسر مهما تعاقبت المحن. فهي لا تتزين بالقوة لتتفاخر بها، بل لتعيش بها، وتستمر، وتكتب سطورًا من الكرامة على جدران الأيام.

وهكذا، تبقى المرأة التي تعيش بلا رجل، لكنها تحمل في داخلها قوة مليون رجل، واحدة من أعظم الشواهد على أن الإنسان حين يؤمن بنفسه، وحين يضع يده في يد الله، لا يحتاج إلا إلى قلبه وعزيمته ليصنع المستحيل

اضف تعليقك على المقال