الكاتب : عبد السلام الدباء*
في عالمنا العربي، حيث يتسابق الكثيرون للحصول على ألقاب أكاديمية واجتماعية، يظل السؤال الأكثر إلحاحاً: هل الشهادة وحدها تكفي لتصنع من صاحبها إنساناً واعياً ومؤثراً؟ أم أن الأمر لا يتجاوز كونها ورقة رسمية تؤكد أن حاملها جلس على مقاعد الدراسة لفترة محددة من الزمن؟
الحقيقة أن العلم أوسع وأعمق بكثير من مجرد شهادة مؤطرة تُعلَّق على جدار.. فالشهادة في جوهرها وثيقة إدارية، قد تفتح باب وظيفة أو تمنح لقباً اجتماعياً، لكنها لا تزرع الفهم ولا تضيء البصيرة.. العلم الحقيقي ليس ما يُكتب في السجلات، بل ما يترسخ في العقول ويثمر في السلوك ويظهر أثره في الحياة اليومية.
كم من أشخاص يحملون أعلى الدرجات العلمية لكنهم يقفون عاجزين عن التعامل مع أبسط مواقف الحياة، لا لأنهم لم يقرأوا ما يكفي، بل لأنهم لم يفهموا كيف يترجمون ما قرأوه إلى واقع.. وفي المقابل، نجد آخرين ممن لم يُكملوا تعليمهم الرسمي، لكنهم امتلكوا بحكم التجربة والملاحظة حكمةً تفوق ما في مئات الكتب، بل وأقدر على توجيه الآخرين وإلهامهم.
إذن .. المعرفة ليست مجرد تكديس لمعلومات، أشبه بحِملٍ ثقيل على ظهر حمار (يحمل اسفارا) ولا يدرك قيمة ما يحمله.. وإنما هي وعيٌ متجدد، يعلّم صاحبه كيف يفكر، ويُعينه على اتخاذ قرارات صائبة، ويمنحه قدرة على التأثير في بيئته ومجتمعه.. فما جدوى حفظ آلاف التعريفات والنظريات إن عجزت عن تطبيقها في أبسط تفاصيل الحياة؟
المجتمع، في نهاية المطاف، لا يُخدع طويلاً بالألقاب الرنانة.. فالحياة لا تجامل ولا تعترف إلا بالكفاءة والفهم والقدرة على مواجهة التحديات.. وما يُحدث فرقاً ليس شهادة تُرفع في وجوه الآخرين، بل عقلٌ متقد يبدع ويبتكر ويمنح للحياة قيمة.
إنّ من يتوهّم أن الشهادة هي نهاية الطريق، فإنه لم يبدأ بعد رحلته الحقيقية.. لأن العلم لا يُقاس بتاريخ التخرج، بل بما يقدّمه الإنسان بعد ذلك من وعيٍ وفعلٍ وإنجاز.
ومن هنا .. فلتكن الشهادة هي بداية، لا أن تكون هي الغاية.. ولنسأل أنفسنا بصدق: هل نريد أن نُعرَف بما نحمله من أوراقٍ مختومة… أم بما نتركه من أثر حيّ في قلوب وعقول الناس؟
رب زدنا علما ..
------
* مستشار وزارة الشباب والرياضة







اضف تعليقك على المقال