يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

كرامة النفس - حين تعلو فوق رغبات القلب

أشرف محمدين

الكاتب : أشرف محمدين

في لحظة من لحظات العمر، يكتشف الإنسان أن داخله ميزانًا لا يُرى، ميزانًا لا تُحرّكه العاطفة وحدها، ولا تُسقطه الدموع، ولا تُخدّره الوعود. ميزان اسمه «كرامة النفس».
هذا الميزان هو الحارس الأخير للإنسان حين ينهزم العقل أمام الحنين، وينحني القلب تحت ثقل التعلّق. فهناك حزن يمكن البوح به، وخذلان يمكن العتاب عليه، وجرح يمكن ترميمه… إلا أن المساس بالكرامة لا يُرمّم ولا يُستعاد.

نحن لا نرتفع فوق رغبات القلب لأننا أقوى، بل لأن الإنسان إذا تنازل عن احترامه لنفسه، لم يبقَ ما يمكن الدفاع عنه.
الحب جميل… لكن حين يصبح ثمنه انكسارك، يفقد معناه.
العِشرة غالية… لكن إن ظل بقاؤك مشروطًا بالانحناء، تصبح العِشرة قيدًا لا نعمة.
القلوب تُشفى، لكن الكرامة إذا انكسرت مات في الإنسان شيء لا يعود.

هناك نوع من القوة لا يُحدِث ضجيجًا، ولا يكتب بيانًا، ولا يلوّح بالرحيل؛ قوة هادئة، تكتفي بأن تقول من الداخل: “أنا أستحق أفضل من هذا.”
تتراجع خطوة، لا لأن الحب انتهى، بل لأن الاحترام ضاق.
تغادر المقعد، لا لأنك مللت، بل لأنك صرت أصغر من أن تجلس في مكان يختنق فيه صوتك.
تُسكت قلبك، ليس لأنك لا تشتهيه، بل لأن نفسك أرفع من أن تُهان تحت اسمه.

كرامة النفس ليست قسوة… بل رحمة بعقلك وروحك.
والانسحاب ليس دائمًا فشلًا… بل أحيانًا حماية لما تبقّى منك.
هناك أوجاع تختار أن تبتلعها بصمت لأن شرحها سيذلّك، وتفضيلك الأهم هو أن تبقى شامخًا ولو موجوعًا.

لا أحد يعرف شكل الحرب التي تدور داخل إنسان اختار احترام نفسه على حساب حنينه؛
كم ليلة بكَى فيها دون أن يراه أحد،
كم كلمة كان يود قولها وابتلعها حتى لا ينحني،
كم مرة مدّ قلبه يد المصالحة، ثم أعادها حين تذكّر أن العطاء بلا كرامة ليس حبًا بل عبودية عاطفية.

ولأن للنفس كرامة… فهي أحيانًا تجرّ صاحبها إلى أصعب قرارات العمر:
أن تختار الفقد على أن تختار الذل.
أن تغلق الباب على جُرحك، بدل أن تفتح روحك لمن يستهين بها.
أن ترفض العودة ولو اشتعل الشوق، لأن العودة أحيانًا خيانة للنفس قبل أن تكون رجوعًا لشخص.

حيث يبقى القانون البشري الأصدق:
ما يُبنى على كرامة يعيش…
وما يُبنى على الانكسار يُدفن ولو بعد حين.
ابحث عن علاقة لا تُطالبك أن تُطفئ ذاتك كي تُرضي الآخر،
عن حب يرفع رأسك لا يُنكسها،
عن يد تُرمّمك لا تُقصّك،
عن شخص إذا أحبك، حماك من الانحناء لا دفعك إليه.
فالنفس إذا اعتادت حفظ كرامتها، تعلو — ولو انكسر القلب ألف مرة —
لأن الخسارة التي تبقيك واقفًا… أنبل ألف مرة من المكسب الذي يجعلك تنحني
و في النهاية
لن يفهم قيمة كرامتك أحد… إلا يوم يحتاج قلبك إلى كلمة فيمنعك كبرياؤك من طلبها،
يوم تشتعل روحك شوقًا فتُطفئها وحدك لأنك تذكّرت كيف هُنت،
يوم تضع رأسك على الوسادة مجروحًا — لا لأنك لم تُحب — بل لأنك رفضت أن تُحب بثمن نفسك
العمر قصير، والقلوب تُستهلك بسرعة، ولا شيء يستحق أن تفقد نفسك من أجله.
فالحب الذي يطلب منك أن تنحني، لا يستحق أن تقف لأجله.
والعلاقة التي تبني قوتها على ضعفك، لا تُخاض للحفاظ عليها أي معركة.
إن كرامة النفس ليست رفاهية، بل هي الشكل الأخير من أشكال البقاء الإنساني…
حين تسقط كل الحجج، تبقى هي: آخر خطوط الدفاع.
إن أجمل انتصار في حياة إنسان ليس أن يمتلك ما يريد،
بل أن يرفض ما يهين.
أن يقول “لا” في اللحظة التي يُراد له أن ينكسر،
أن يختار وحدته المؤقتة على رفقة تنزع عنه قيمته قطعة بعد أخرى.
وصدقني — الزمن عادل بشكل لا يصدقه أحد:
سيأتي يوم تفهم فيه لماذا أنقذك الله من علاقة ظننتها حياتك
ولماذا شدّك من يدك بعيدًا عمّن أحببت،
ولماذا جعل كبرياءك أقوى من حنينك —
لأن ما كان يراه الله في روحك أرفع من أن يُسْتَخدَم ضدك.
احفظ نفسك ولو نزفت،
احمِ كرامتك ولو احترق قلبك،
واصبر — فالله لا يخذل من قدّم نفسه على من أهانه.
فيوماً ما ستستيقظ وتُدرك أنك لم تخسر،
بل نجوت - 
نجوت من نسخة منك كانت ستنهار لو رضخت
ونجوت من حبّ كان سيأكلك حتى العظم ثم يرميك بلا ثمن

ويبقى القانون الأخير للحياة:
من ترك شيئًا لله — عوّضه الله بما يشبهه في الظل، ويُشرفه في العلن، ويُرضيه بلا انكسار.
فلا تخشَ الرحيل إذا كان ثمن البقاء هو كرامتك
لأن كل ما يفنى تحت الذل يبعثه الله من جديد تحت الضوء عندما تختار أن تصون نفسك

اضف تعليقك على المقال