الكاتب : منير طلال
كان لقاء الدكتور ثابت الاحمدي مع قناة العربية في برنامج سجال من اللقاءات التي تستوقف المتابع سواء من حيث اهمية الموضوع او من حيث الاسلوب الذي طرح به فقد اختارت القناة ان تناقش عبر ضيفها واحدة من اعظم المحطات في تاريخ اليمن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 وشخصية قائدها واول رئيس للجمهورية العربية اليمنية المشير عبد الله السلال
اللقاء رغم متعته وعمق كثير من الطروحات فيه بدا قصيرا ومكتنزا اكثر مما ينبغي وانا كمتابع شعرت ان الضيف لم يتح له المجال الكافي للرد على بعض الاسئلة او لتوضيح محاور شديدة الحساسية ضيق المساحة جعل كثيرا من التفاصيل تمر مرورا عابرا بينما الموضوع يستحق حلقات متعددة
ثورة انقاذ لا انقلاب
اكد الدكتور ثابت ان ما حدث في سبتمبر لم يكن انقلابا عسكريا ضيق الافق بل كان ثورة حقيقية غيرت نمط الحكم من اساسه فقد اخرجت اليمنيين من سواد في سواد من نظام كهنوتي ثيوقراطي قائم على القداسة والخرافة الى افق جديد من الحرية والجمهورية وكان لثبات بعض الضباط في ليلة الثورة وقرار السلال بفتح مخازن السلاح اثر بالغ في نجاحها
السلال بين الزعامة والتضحية
ما لفتني في حديث الدكتور ثابت هو اصراره على ان السلال لم يكن مجرد رئيس طارئ بل كان جزءا اصيلا من الحراك الثوري وصاحب مسيرة ممتدة منذ بعثته العسكرية في العراق ومشاركته في ثورة 1948 وحين جاء دوره في سبتمبر كان الاكبر رتبة والاكثر قبولا لقيادة المرحلة
لكن الاجمل في السرد هو موقف السلال حين سلم السلطة طواعية وهو في الخارج تفاديا لصراع دموي مع رفاقه فضل الثورة على الكرسي وخرج مرفوع الرأس ليستقبل في العواصم كرئيس هذه الصورة اعادت الى ذهني فكرة نادرة في تاريخنا التضحية بالسلطة من اجل الوطن
البعثات التعليمية دعم خارجي لا فضل للامام
من الملاحظات التي اود تسجيلها هنا ان البعثات التعليمية لم تكن يوما على نفقة الامام كما يروج البعض بل كانت بدعم خارجي العراق الملكي قدم بعثات لتقوية النظام الهاشمي في المنطقة بينما جاءت بعثات مصر عبر الازهر الشريف او عبر منح اجتماعية من ذوي المال كل ما فعله الامام هو انه سمح بالسفر وهذه نقطة مهمة اغفلها الحوار او لم يفسح لها المجال الكافي
ما بين الثورة الثقافية والسياسية
من اجمل ما طرحه الدكتور ثابت هو توصيفه بان الثورة اقامت الجمهورية العسكرية والسياسية لكنها لم تقم الجمهورية الثقافية وربما لهذا السبب عاد الفكر الامامي متسللا حتى وصل بنا الحال الى انتكاسة 2014 هذه رؤية دقيقة لكنها تحتاج الى تفصيل اكبر مما اتيح في البرنامج
محاور مسكوت عنها
لم استطع وانا اتابع الحلقة ان اتجاهل مقاطعات المذيع للدكتور ثابت حين تحدث عن المرتزقة الاجانب بقيادة ديفيد سمايلي واخرين وعن التدخل الاسرائيلي بالطيران والمخابرات ضد ثورة سبتمبر كما ان الحديث عن الدور السعودي والدعم الاقليمي لاجهاض الثورة بدا وكأنه خط احمر لم يسمح للضيف بتجاوزه وربما كان هذا مفهوما في سياق قناة تبث من الرياض لكنه حجب عن المشاهد جانبا مهما من الحقيقة
وحدة اليمن رفض الطائفية
سجل الدكتور ثابت موقفا مشرفا برفضه استخدام مصطلحات مثل الهضبة الزيدية او اليمن الاعلى واليمن الاسفل فهذه مصطلحات مذهبية طائفية تمزق ولا توحد وانا اؤكد هنا ان قوة سبتمبر كانت في كسرها لحاجز القداسة وفي تثبيتها لليمن باعتباره نسيجا واحدا وقلبا واحدا
ملاحظة شخصية
لم يكن الدكتور ثابت موفقا في رأيي حين وصف الائمة بانهم جالية او متوردون كما لو كانوا اجانب عن البلاد فهذا توصيف بعيد عن الواقع وان كان عاد سريعا ونفى ان يكون قصده الهاشميين هنا تمنيت لو ان الوقت سمح له بايضاح فكرته اكثر حتى لا يتركها معلقة
اللقاء مع الدكتور ثابت الاحمدي كان ثريا وممتعا لكنه قصير جدا على قضية بهذا الحجم ثورة سبتمبر والسلال والتدخلات الاقليمية كلها محاور تحتاج ثلاث او اربع حلقات على الاقل ومع ذلك يبقى صوت الدكتور ثابت حاضرا كصوت باحث ومفكر يذكرنا بان سبتمبر كانت ولا تزال بوابة اليمن الكبرى الى العصر الحديث
اضف تعليقك على المقال