يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

الحقد والغل - نار تأكل صاحبهما

أشرف محمدين

الكاتب : أشرف محمدين

في زحام الحياة، وفي لحظات الضعف، قد تسكن في القلوب مشاعر غريبة…
تبدأ كغصة صغيرة، لا نلتفت إليها، لكنها تنمو في الخفاء، كزرعٍ سامٍ يرويه القهر، وتُغذّيه الخيبة.
يكبر شيئًا فشيئًا، حتى يتحوّل إلى حقدٍ وغلّ، يتغلغل في القلب والعقل والروح، ويترك أثره في نظراتنا، في ردود أفعالنا، وحتى في ملامحنا.
ولا يدرك الإنسان وقتها، أن ما يحمله في صدره لا يحرق سواه.
يظن أنه يحمي نفسه من الانكسار، أو أنه يعاقب من خذله، لكنه في الحقيقة…
يبني سجنًا داخليًا يسكنه وحده، ويغلق عليه بابه من الداخل.
الحقد لا يُخرج صاحبه من ألمه، بل يُغرقه فيه أكثر…
هو نارٌ مستترة… تشتعل في القلب بصمت، فتأكله شيئًا فشيئًا، حتى لا يبقى فيه متسعٌ للسلام،
ولا مكان للحب، ولا موطئ لبهجةٍ صغيرة تمرّ صدفةً، وتجد الأبواب مغلقة.
الغلّ لا يُنصف صاحبه، ولا يُعاقب من ظلمه، بل يسلبه راحته، ينهك تفكيره،
ويجعل عقله سجينًا لعداوةٍ وهمية، يستعيد تفاصيلها كل لحظة، فيُهدر عمره في ماضٍ لا يعود.
وقد يُصبح الحاقد مع الوقت كائنًا هشًا… متوتّرًا دائمًا… يرى الشر في كل الناس،
ولا يثق في أحد، لأنه فقد ثقته بنفسه أولًا، بعدما ترك الغلّ يتوحّش بداخله دون مقاومة.
الحاقد لا يهنأ بنجاحه، لأنه مشغول بفشل غيره…
ولا يفرح بسعادته، لأنه يتألم لسعادة الآخرين…
وهو لا يظلم إلا نفسه، لأن الحياة لا تُقاس بمن نكره، بل بمن نُحب،
وبما نصنع من سلامٍ في قلوبنا، وبما نتركه من أثرٍ طيّب حين نغيب.
النفس المُتصالحة لا تعرف الغلّ 
من يعيش بقلبٍ أبيض، قد يتعب، قد يُخذل، لكنه لا يذبل…
لأن النقاء الداخلي هو درع الحماية الحقيقي من الانهيار.
القلب الأبيض لا يعني الضعف، بل يعني القوة الحقيقية…
أن تحتفظ بإنسانيتك رغم كل ما حدث، أن تختار النُبل رغم الجراح،
أن تقول: “آذوني، لكني لن أكون مثلهم
وإن كان الغلّ رد فعل طبيعي على الخذلان، فالتسامح قرار شجاع لا يقدر عليه إلا الكبار.
التسامح لا يعني أن ننسى، بل أن نختار أن لا نُعذّب أنفسنا أكثر…
أن نُفرّغ القلب من الشوائب، ونفتحه من جديد للحياة،
حتى إن دخلها الغرباء، يجدون فيها ظلًا لا شوكًا.
الحقد… سُجن بلا قضبان

تخيل أن تعيش سنوات في قلبك حربًا لا تنتهي…
أن ينام الغل بجوارك، ويستيقظ معك، أن تسمع اسم من آذاك، فيتغير مزاجك، ويرتجف قلبك…
أن تضحك ظاهريًا، بينما بداخلك إعصار، وأن تتظاهر بالقوة بينما تنهشك نار الحقد في الخفاء.
هل يستحق من ظلمك، أن يعيش فيك كل هذا الوقت؟
هل يستحق أن تُهدر سنوات من عمرك لأجله، بينما هو لا يشعر بك أصلًا؟
أليس من الأجدى أن تتركه، تمضي، تبتسم وتعيش حياتك كما يليق بك؟
أن تعيش لنفسك، لا للانتقام؟
أن تُعيد ترتيب أولوياتك، وتضع قلبك أولًا، لا جُرحك؟
الغلّ يقتل الجسد أيضا
العلم أثبت أن المشاعر السلبية المُزمنة، كالحقد والغلّ،
ترتبط بأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، وضعف المناعة،
وحتى الاكتئاب والقلق والتوتر واضطراب النوم…
وكأن الغلّ لا يكفيه أن يخنق الروح، بل يُنهك الجسد أيضًا…
يُسقط الإنسان من الداخل قبل أن يسقط خارجيًا.
لا شفاء بدون غفران
القلوب لا تُشفى إلا عندما تُسامح.
والسعادة الحقيقية لا يسكنها الحقد، بل يطردها، ويغلق الأبواب دونها.
التسامح ليس ضعفًا، بل شفاء…
هو أن تنظر في المرآة، وتقول: “أنا أستحق أن أرتاح، حتى لو لم يعتذروا”.
هو أن تطهّر قلبك من السواد، وأن تكتب فصلًا جديدًا من حياتك…
خاليًا من الأحقاد، مليئًا بالضوء.
حرّر قلبك يا صاحبي من الغلّ، لا لأجلهم، بل لأجلك
عِش خفيفًا، لا تحمل أعباء الكراهية، ولا تدمن اجترار الخيبات
فالعمر قصير، والسلام الداخلي أغلى من أي انتقام
ومن أراد أن يُؤلم من خذلك، فليعش سعيدًا، فذلك انتقام النبلاء
الحاقد لا يرى الحياة كما هي، بل يراها من خلال نظارات داكنة، لا تُظهر النعمة إلا على أنها سلب له، ولا تُظهر النجاح إلا على أنه تهديد لوجوده. يعيش في مقارنة دائمة، ينهك قلبه قبل عقله
والأخطر من ذلك أن الحقد لا يقتل صاحبه فجأة، بل يقتله ببطء.
يمنعه من النوم العميق، من الضحكة الصافية، من القلب الخفيف الذي يعرف كيف يفرح دون حساب.
يضرب صحته النفسية والجسدية، ويغلف حياته كلها بطبقة كثيفة من المرارة التي لا يعرف كيف يتخلص منها.
وفي العمل
كم من موظف كان بإمكانه أن يترقى، لكن الحقد أعماه عن تطوير نفسه وظل يراقب زميله الناجح!
كم من قائد خسر ثقة فريقه، لأنه غار من الموهبة بدل أن يحتضنها!
الغلّ في بيئة العمل يُحوّل المكتب إلى ساحة معركة صامتة، والنجاح إلى جريمة، والتعاون إلى تهديد… فيموت الإبداع، وتذبل القلوب داخل مكاتب مغلقة، مليئة بالابتسامات الزائفة والقلوب المثقلة.

والحقيقة الكبرى التي يتجاهلها الحاقدون… أن الكراهية لا تُضعف الآخر، بل تُنهك صاحبها أولًا، وتُطفئ نوره من الداخل. فمن يحمل الكره في قلبه، لا يمكن أن يرى النور مهما سطع حوله.
خاتمة
إن الحقد والغلّ، وإن ظنهما البعض مجرّد مشاعر كامنة، هما في الحقيقة ناران خفيتان تلتهمان الروح ببطء، وتمتصان نور القلب، وتخنقان نسمات الفرح واحدة تلو الأخرى. هما أشبه بمن يسقي زرعه بماء مسموم، فينتظر الحصاد ولا يدرك أن كل ما نبت كان مريضًا منذ اللحظة الأولى.
الإنسان الحاقد لا يعيش الحياة فعليًا… بل يراقبها تمر من حوله، وهو مشغول بتتبع خطوات الآخرين، يقيس سعادتهم ليقارنها بألمه، ويحسب نجاحاتهم ليضيفها إلى رصيد احتقانه. وشيئًا فشيئًا، يتحول من شخص يملك القدرة على الحياة، إلى كائن يتآكله الظلام الداخلي، ويجد في كل نور حوله تهديدًا لا رحمة فيه.
الغلّ ليس فقط عدوًا للآخر… بل عدوٌّ لصاحبه قبل غيره. يحرم الإنسان راحته، وسكينته، وقدرته على الحب والعطاء. والأدهى من ذلك، أنه يمنعه من رؤية نفسه كما هي… فيظل يظن أنه مظلوم، بينما هو الذي ظلم نفسه أولًا.
وفي لحظات الصفاء القليلة، حين ينكسر الصخب الداخلي للحقد، يكتشف الحاقد أنه أضاع سنوات كان يمكنه فيها أن يحب، أن ينجح، أن يسامح، أن يُشفى… لكنه اختار أن يحمل مشاعر أثقل من أن يحتملها قلب بشر.
لذلك… علينا أن نختار، في كل مرة نخوض فيها معركة مشاعر:
هل نسمح للحقد أن يتسلل؟
أم نختار الصفاء، ونضع في أرواحنا بذور الطمأنينة؟
فالحياة لا تتسع لحمل كل شيء… ومن اختار أن يحمل الحقد، لن يجد في قلبه متسعًا للسلام.
والأعمار أقصر من أن نضيعها في مراقبة من أساء، أو تمني زوال النعمة عن غيرنا، أو إحصاء ما لا نملك.
فلنُسلِّم قلوبنا للنور، لأن القلوب إذا لم تُغسل بالرحمة… اسودّت بالحقد حتى تُنسى ملامحها.
اختر أن تحيا… لا أن تحترق.
اختر أن تُشفى… لا أن تتآكل.
اختر أن تحب لأن الحب وحده هو النجاة

اضف تعليقك على المقال