توقيت الفيلم: استدعاء الذاكرة أم محاولة توجيهها؟
الكاتب : عادل الشجاع
في عالم السياسة، التوقيت لا يكون بريئًا, فعرض فيلم وثائقي عن الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، بعد قرابة سبع سنوات من مقتله، يطرح تساؤلات لا تتعلق فقط بالمضمون، بل باللحظة السياسية التي اختير فيها بث هذا العمل، التوقيت يأتي وسط استقطاب داخلي محتدم، وانسداد سياسي، وتراجع حضور الدولة، في ظل تنازع الشرعيات وتآكل الإجماع الوطني..
قد يكون الفيلم محاولة لفتح دفاتر الماضي لإعادة صياغة الحاضر، فهو لا يعيد فقط تقديم سردية الرئيس، بل يطرح أسئلة حساسة عن “الخيانة”، “التحالف”، و”النهاية” — وكلها لازالت موضوع جدل في الوعي الجمعي اليمني، لذلك يبدو التوقيت مقصودًا: إما لإعادة تأهيل صورة صالح، أو على العكس، لترسيخ نهايته كدرس سياسي، يتجدد استثماره كلما اشتدت الأزمة..
لماذا الضجة حول دوره في معركته الأخيرة؟
الجدل حول “معركة ديسمبر” التي خاضها صالح ضد الحوثيين قبل مقتله، لا يقتصر على من يقف مع الرجل أو ضده، بل يرتبط بتأويل تلك اللحظة: هل كانت بطولة متأخرة أم مناورة فاشلة؟ هل انقلب على تحالف فرضته الضرورة أم استعاد وعيًا متأخرًا بخطورة المشروع الحوثي؟
الضجة هنا تتجاوز شخصه إلى ما يرمز إليه: رجل قضى 33 عامًا في الحكم، عاد من الظل ليخوض معركته الأخيرة ضد شركاء الأمس، فانهزم، البعض يراها محاولة فاشلة لتصحيح المسار، وآخرون يعتبرونها “خيانة” لعهد سياسي تحالف فيه مع خصمه السابق (الحوثيين)، بينما يرى فريق ثالث أن تلك اللحظة كاشفة لاختلال التوازن في معسكر الجمهورية..
بالتالي، الضجة لا تتعلق بالرجل فقط، بل بما تمثّله تلك المعركة من صراع رؤى حول الجمهورية، والتحالفات، وأدوار النخب..
لماذا نحمّله الهزيمة ونعفي أنفسنا؟
هنا نلامس لبّ المعضلة النفسية والسياسية، فتحميل صالح وحده مسؤولية الهزيمة في ديسمبر 2017 قد يبدو مريحًا أخلاقيًا لكنه يعكس تهربًا جماعيًا من مواجهة الواقع..
فالواقع أن معسكرًا واسعًا من النخب السياسية والعسكرية والقبلية، تواطأت أو صمتت أو ترددت، لم يكن صالح وحده في الميدان والهزيمة لم تكن فقط عسكرية، بل كانت في البنية المهترئة لتحالف هش، وفي ضعف الرؤية، وتشتت القرار، لذلك فإن محاولات حصر السقوط في شخصه قد تكون نوعًا من التنصل من المسؤولية، وإلقاء اللوم على “الميت” بدل مراجعة الذات..
الأسوأ من ذلك أن بعض خصومه يتناسون أنه — في معركته الأخيرة — قاتل نفس العدو الذي يقاتلونه اليوم، لكنه فعلها بمفرده تقريبًا، وهذا التناقض يُظهر أن المشكلة ليست في فعل صالح بقدر ما هي في دلالته غير المريحة للكثيرين..
خاتمة: هل نتعلم من صالح أم نستخدمه؟
في النهاية، تبقى قصة صالح، بكل ما فيها من تناقضات، مرآة لواقع يمني مأزوم، الفيلم لا يقدم إجابات، لكنه يعيد طرح الأسئلة: من خان من؟ من تأخر عن المعركة؟ من تحالف مع من؟ ولماذا لا ننتصر رغم أننا نعرف العدو؟
ربما آن الأوان للكفّ عن توظيف سيرة صالح كسلاح سياسي، والنظر إليها كمادة للدرس والتحليل، فالهزيمة ليست قدرًا فرديًا، بل نتيجة جماعية، والانتصار في هذه المعركة يبدأ عندما نملك الشجاعة للاعتراف بذلك..
*من صفحة الكاتب بالفيسبوك
اضف تعليقك على المقال