يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

الصبر - أساس الكمال وجوهر الارتقاء الإنساني

أشرف محمدين

الكاتب : أشرف محمدين 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
“وإذا تأملتَ مراتب الكمال المكتسب في العالم، رأيتها كلها منوطة بالصبر، وإذا تأملتَ النقصان الذي يُذمّ صاحبه عليه، ويدخل تحت قدرته، رأيته كله من عدم الصبر.”
عبارة واحدة كهذه قادرة على تلخيص فلسفة الحياة الأخلاقية والسلوكية في جملة مكثّفة تجمع بين الحكمة والفهم العميق لطبيعة الإنسان. فالصبر، كما وصفه الإمام، ليس مجرد تحمّل للشدائد، بل هو شرط أساسي لكل كمال يُمكن للإنسان أن يبلغه، ولكل نجاح يمكن أن يُدركه، ولكل فضيلة يمكن أن يتزين بها.
الصبر - ليس ضعفًا بل قوة متماسكة الجذور
كثيرون يظنون أن الصبر نوع من السكون السلبي، أو قبول الواقع بلا حراك. لكن الصبر الحقيقي هو حركة داخلية مستمرة، فيها صراع بين نوازع النفس وضوابط الضمير، بين العجلة والحكمة، بين الانفعال والتأني. الصبر يعني أن تمتلك زمام نفسك حين تفلت من الآخرين، وأن تزرع شجرة الخير وأنت لا تعلم متى تؤتي ثمارها، ولكنك مؤمن أنها ستؤتي.
الكمال الأخلاقي لا يُكتسب إلا بالصبر
عندما ننظر في سلوكيات البشر، نرى أن الصبر هو الأساس الخفي وراء كل فضيلة. الصدق يحتاج إلى صبر على تبعاته، والعفة تحتاج إلى صبر على الشهوات، والعدل يحتاج إلى صبر على ضغوط الظلم، والتسامح يحتاج إلى صبر على الألم. فكل كمال أخلاقي هو وليد صبر طويل، وتحمّل مرير، وإصرار جميل.
النقص - وليد التسرع والانفعال
وكما قال ابن القيم، فإن النقصان الذي يُذمّ عليه صاحبه — كالغضب المفرط، والظلم، والكسل، والأنانية، والحسد — كل هذه المظاهر تنشأ من ضعف الصبر، ومن انسياق الإنسان وراء رغباته دون أن يُمسك بلجامها. فالتسرع في ردود الفعل، والتشبث بالأهواء، والانفعال غير المحسوب، كلها تؤدي إلى سقوط الإنسان من مراتب الكمال التي كان يمكن أن يرتقيها لو امتلك الصبر الكافي.
الصبر في علاقاتنا - وتربية أولادنا - وفي النجاح العملي
الصبر ليس فقط سلوكًا فرديًا، بل هو مبدأ أساسي في علاقاتنا اليومية. كم من خلاف عائلي كان يمكن تجاوزه بقليل من الصبر؟ وكم من تربية سليمة ضاعت بسبب نفاد صبر الأهل؟ وكم من مشروع ناجح توقف في منتصف الطريق لأن صاحبه لم يصبر على المصاعب الأولى؟ الصبر هو ما يصنع الفرق بين الاستمرارية والانقطاع، بين النضوج والسطحية، بين الإبداع والتقليد.
في زمن السرعة - الصبر ثورة
في عصرنا الحالي، حيث كل شيء يسير بسرعة الضوء، من الرسائل إلى الأحكام إلى القرارات، يصبح الصبر عملة نادرة. ولكن من امتلكها فقد امتلك كنزًا لا يفنى. الصبر لم يعُد مجرد فضيلة دينية، بل صار ضرورة عقلية ونفسية وتربوية ومهنية.
و في الختام -              الصبر -عبادة العقل والقلب
إنّ مقولة ابن القيم تختزل الحقيقة الكبرى: الصبر هو الشرط الأول للكمال الإنساني، وغيابه هو أصل كل النقص الذي نقع فيه. فلنُعيد الاعتبار للصبر في حياتنا، لا كفضيلة مهملة، بل كركن راسخ من أركان السموّ، وعنوان لكل من أراد أن يترقى في مدارج الكمال

اضف تعليقك على المقال