يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

قيمة الحنين في زمن السرعة

أشرف محمدين

الكاتب : أشرف محمدين 


في عالم يسرع في التقدم، حيث تقاس الأيام واللحظات بعدد الخطوات التي نخطوها نحو المستقبل، نتسابق على تحقيق الأهداف وكأننا في سباق لا نهاية له.
نعيش بين فوضى الحياة الحديثة، تتسارع الساعات والدقائق والأحداث، ولا وقت لدينا للتوقف والتأمل.
لكن بين هذا الزحام، هناك شعور غامض ينبع من أعماق القلب، يعيد لنا الذكريات الطيبة ويملأ الروح بالدفء… إنه الحنين.

الحنين هو ذلك الشعور الذي يربطنا بالماضي، ليس كمجرد ذكرى، بل كعاطفة عميقة تضج داخلنا عندما نعيد النظر في تلك اللحظات التي كانت مليئة بالبساطة والجمال.
إنه تلك اللحظات التي تذكرك بالأيام الخوالي، عندما كانت الحياة أسهل، وكان الوقت ملكًا لنا، وكانت علاقاتنا أكثر صدقًا.
إنه عندما نشتاق لأيام الطفولة، للمدرسة، ولأمهاتنا اللواتي احتضنّنا في أوقات ضعفنا وأملنا.

حنين الطفولة: براءة لا تنتهي

الحنين الأول الذي يعترينا غالبًا هو حنين الطفولة.
عندما نتذكر أيامنا الأولى في الحياة، نلمح بريقًا في أعيننا وكأننا نعيش هذه اللحظات مرة أخرى.
الطفولة هي تلك الفترة التي لا يستطيع الزمن محوها من ذاكرتنا، لأننا نعيش خلالها في عالم من الأحلام البسيطة، حيث كل شيء كان ممكنًا.
أصدقاء الطفولة، وألعاب الشوارع، ورائحة الأطعمة التي كانت تحضرها لنا أمهاتنا بعد يوم طويل من اللعب.
نشتاق للضحكات التي كانت تملأ المكان، للمخاوف البسيطة التي كانت سرًا لذكريات سعيدة، ولمغامرات الطفولة التي كانت تكتمل بمجرد عودة أحدنا إلى البيت.
في الطفولة، كانت الحياة خالية من التعقيدات، وكان كل شيء يأتي في وقته.
الحنين هنا هو عودة لبراءة لم نعد نجدها في أعيننا اليوم.

المدرسة: أبواب المعرفة وذكريات الشباب

ثم يأتي حنين المدرسة، تلك المرحلة التي تشكل جزءًا كبيرًا من هويتنا.
المدرسة كانت أول مكان نتعلم فيه المسؤولية، ونتعرف فيه على أصدقاء العمر.
كنا نركض نحوها في الصباح بكامل النشاط، وكانت كل زواياها مليئة بالذكريات.
المدرسين الذين زرعوا فينا القيم، والأصدقاء الذين كان كل واحد منهم يمثل جانبًا مختلفًا من شخصيتنا.
كانت المدرسة هي ميدان الاختبارات الأولى لحياتنا الاجتماعية، حيث تعرفنا على الحب الأول، والخوف من الامتحانات، وأحاديث نهاية اليوم الطويلة مع الأصدقاء.
حتى الآن، تظل رائحة الكتب المدرسية، وصوت الجرس، وموعد الاصطفاف الصباحي عالقة في أذهاننا.
وتظل تلك الذكريات تلاحقنا كما لو كانت تنادي فينا: “هل تذكرون الأيام الطيبة؟”.

الأم: الأمان الأول والحنين الأبدي

لكن، يظل الحنين الأكبر، والأعمق، والأغلى هو حنيننا لأمهاتنا.
هي الحبيبة التي تظل في القلب إلى الأبد.
إنها الحصن الذي يختبئ فيه القلب من رياح الحياة العاتية.
الأم هي أول من قدم لنا الأمان، وعلمتنا كيف نحب، وكيف نواجه الحياة.
عندما نشعر بالحزن، نعود إلى كلماتها التي كانت تواسينا، وعندما نشعر بالضعف، نتذكر يدها التي كانت تشدنا في كل مرة سقطنا فيها.
حنين الأم هو الحنين الذي لا يعوضه شيء.
في كل مرحلة من حياتنا، نشعر بالحاجة إلى احتضانها أكثر، إلى استشعار دفء كلماتها، إلى العودة إلى تلك اللحظات التي كانت تقول فيها: “كل شيء سيكون على ما يرام”.
لكن، مع مرور الوقت، نكتشف أن الحنين إلى الأم لا يتوقف، بل يزداد.
وعندما نكبر، نرى في أعيننا أننا نحبها أكثر من أي وقت مضى، وأنها كانت وما زالت الدفء في حياتنا.

الحنين كقيمة إنسانية في عصر السرعة

في هذه الأيام، حيث كل شيء أصبح سريعًا ومتسارعًا، بدأنا ننسى قيمة الحنين.
لقد أصبحنا نعيش في عالم يرفض التوقف للحظات، عالم يتحرك بسرعة الضوء، ولكن دون أن يتوقف ليلتقط الأنفاس.
وها نحن، في غمرة الحياة، نركض وراء أهدافنا وكأن الوقت ليس ملكًا لنا.
لكن، تأتي لحظات الحنين كأنها “فواصل” تجعلنا نتوقف عن الركض ونأخذ استراحة مع أنفسنا.

الحنين ليس فقط شعورًا بالماضي، بل هو طريقة لفهم الحاضر بشكل أعمق.
هو دعوة للتفكر في حياتنا، في اللحظات التي قد نكون أهملناها في زحمة الحياة، في الأشخاص الذين أضافوا لنا قيمة لكننا قد نكون غفلنا عنهم.


الحنين ليس ضعفًا، بل هو احتفاظ بكل ما هو جميل.
هو سحر يعيدنا إلى تلك اللحظات البسيطة التي كانت مليئة بالحياة.
في زمن السرعة، نحن بحاجة إلى لحظات الحنين كي نعيد ترتيب أولوياتنا.
لحظة حنين قد تكشف لنا حقيقة أننا فقدنا شيئًا عزيزًا في هذا الركض اليومي.
وعندما نتمكن من أن نعود إلى تلك اللحظات، إلى الذكريات الطيبة، ندرك أن هناك أشياء لا يمكن لأحد أن يسرقها منا.
الحنين هو هويتنا الإنسانية، هو الجسر بين من كنا ومن نكون، وهو دليلك إلى الأمان الذي كان في يومٍ من الأيام حقيقيًا.

اضف تعليقك على المقال