الكاتب : أشرف محمدين
الأنانية ليست صفة بسيطة أو نزعة عابرة، بل هي مرض اجتماعي ونفسي متفشٍ، يقتل المشاعر الطيبة، ويقضي على الروابط العميقة بين البشر. وقد تكون هي السبب الرئيسي – وإن كان خفيًا – لانهيار العلاقات العاطفية والزوجية، حتى وإن بدت المظاهر غير ذلك. فكم من بيت هدمته “الأنا”، وكم من قلوب انطفأت بسبب غياب “نحن”.
⸻
الأنانية… جذور الطفولة وسموم التنشئة:
قبل أن نلوم الحبيب أو الزوج أو الزوجة، دعونا نسأل: من أين جاءت هذه الأنانية؟ الإجابة في الغالب تبدأ من الطفولة، حيث ينشأ بعض الأطفال على نمط تربوي يشجع التمركز حول الذات، ويزرع فيهم أن الكون يدور حول رغباتهم. يكبر الطفل وهو لا يسمع “لا”، لا يتعلم المشاركة، ولا يكتسب قيمة التعاطف. ومع الوقت، يتحول إلى شخص يرى ذاته فقط، وينسى أن الحياة تشارُك لا استئثار.
والأسرة تلعب هنا الدور الأساسي: فإما أن تزرع بداخله قيمة “الآخر”، أو تغرس جذور الأنانية التي ستنمو لتخنق أي علاقة يدخلها لاحقًا.
⸻
الأنانية في العلاقات… اغتيال صامت للمشاعر:
في العلاقات العاطفية، تبدأ الأنانية كما لو كانت مجرد رأي مختلف، أو حاجة شخصية، لكنها ما تلبث أن تتطور إلى سلوك يومي يُشعِر الطرف الآخر بأنه وحيد، حتى وهو في علاقة. الأناني لا يسأل “كيف كان يومك؟”، لا ينتبه إلى تعبك، لا يتذكر ما يسعدك، لكنه يتوقع منك أن تكون حاضرًا دائمًا في حياته، مزودًا بالطاقة والحنان والتفهم، دون أن يمنحك نصف ما يطلب.
الأناني لا يرى في العلاقة سوى مرآة لذاته، لا شريكًا فيها. وعندما تبدأ العلاقة بالتحول من دفء واحتواء إلى جفاف وتهميش، يكون ذلك غالبًا بفعل تلك الأنانية المتوحشة التي لا يصرّح بها أحد.
⸻
الأنانية كسبب خفي للطلاق… أرقام لا تُقال بصراحة:
في كثير من تقارير الطلاق، تُكتب أسباب مثل “عدم التفاهم”، “اختلاف الطباع”، أو حتى “الملل”، لكن الحقيقة أن هذه كلها أقنعة لأنانية لم تُسمَّى باسمها الحقيقي. الأناني يستهلك العلاقة دون أن يُغذيها. يُطالب بالاهتمام وهو لا يقدمه. يتهم الطرف الآخر بالتقصير بينما هو لا يرى تقصيره المزمن.
وتكون النهاية حتمية… أحد الطرفين ينسحب بصمت، أو ينهار فجأة، وتحدث القطيعة. وكم من زوجة طُلّقت لأن زوجها لا يرى إلا نفسه، وكم من رجل تحوّل إلى ظل في بيته لأنه يعيش مع امرأة لا تعرف إلا “أنا”.
⸻
الأنانية الرقمية… العصر الجديد للعزلة المقنّعة:
في عصر السوشيال ميديا، باتت الأنانية تأخذ شكلًا أكثر نعومة وخداعًا. أصبح كثير من الناس يشاركون لحظاتهم على الإنترنت، ويطلبون الدعم العاطفي من جمهورهم الافتراضي، لكنهم لا يُصغون حقًا لشريك حياتهم الواقعي. الهاتف أصبح هو الأولوية، والحوار الحقيقي تراجع أمام “اللايك” و”الستوري”.
وهنا تتجسد أنانية عصرية: أن تفضل التفاعل الإلكتروني على الشعور الحقيقي، أن تستمد قيمتك من الغرباء لا من دفء العلاقة.
⸻
الأنانية العاطفية… أخطرها على الإطلاق:
أخطر أنواع الأنانية هي تلك التي لا تُظهر وجهها القبيح بوضوح. مثل الشخص الذي “يحبك” لأنه يحتاجك، لا لأنه يراك. الذي يُحب وجودك لأنه يُشعره بالقوة أو الأمان أو الإنجاز، لا لأنه يفرح بك كإنسان. هذا النوع من الأنانية العاطفية هو ما يقتل الحب الحقيقي، لأنه يجعل العلاقة قائمة على الاستخدام وليس المشاركة.
⸻
و لكن هناك دائما ومضة أمل من قلب الحقيقة:
رغم كل هذا الظلام، لا تزال هناك نافذة نور. من اختار أن يتخلى عن أنانيته، فقد اختار أن يحيا حبًا حقيقيًا. العلاقات لا تنجح بالعطاء وحده، ولا بالحب فقط، بل بإرادة الطرفين أن “يتعلما” كيف يكون الحب مشاركة، لا مزايدة، وكيف يكون الحضور متبادلًا لا من طرف واحد.
الحياة لا تتوقف عند من خان، ولا تنهار عند من تجاهل. من عرف الأنانية وذاق مرارتها، عليه أن لا يُعيد إنتاجها مع الآخرين. والغفران للنفس يكون أحيانًا في القدرة على النسيان والمضي قدمًا. امضِ في طريقك، وازرع حبًا جديدًا، ولا تسمح لأي ألم قديم أن يجعلك تُحب نفسك فقط… بل تعلم أن تحب من يحبك بصدق، لأنك تستحق.
اضف تعليقك على المقال