الكاتب ؛ مصطفى المخلافي
في جنوب الجزيرة العربية من خارطة الروح العربية، يقف اليمن ككائن مُثقل بالجروح، ذلك البلد المتشبع بالتاريخ والحضارة، حيث التاريخ فيه لا يُكتب بالحبر بل بالدم والمواقف، يقف اليوم أمام تحديات كبيرة، بل أمام مؤامرة كونية، وخذلان عربي لا نظير له، يتأمل كيف ينزف، وكيف يُسرق منا كما يسرق اللص الحلوى من فمِ طفل خانتهُ أُمه وهي تلهو بعيداً عنه..
في خارطة التخاذل العربي، لا يزال اليمن يتكئ على جدار الوجع، بعد أن خذلته كل الجهات، بما فيها تلك التي أدعت يوماً أنها جاءت لإنقاذه، فبين شرعية فقدت شرعيتها، وميليشيا خلعت قفاز الرحمة وارتدت خوذة الوصاية على ملايين اليمنيين، صار اليمن حقل تجارب لمشاريع مشبوهة، وأجندات تتغذى على الدم، لا على القانون.
لقد تخلّت الشرعية عن دورها، وتحوّلت إلى مشروع طويل الأمد لإدارة النزاع لا حله، وها هو اليمن يُباع بالتصريحات، ويُشترى بالصمت، بينما أولئك الذين يعيشون على هامش هذه المأساة يكتفون بالفرجة، كما لو أن الوطن مجرد مشهد في فيلم طويل لا يعنيهم نهايته.
أما المجتمع الدولي فتحول من طوق نجاة إلى طوق خنق، تدخل تحت ذريعة إعادة الشرعية، ثم ساهم في رسم ملامح البلاد وتفكيكها، دعم هذا الفصل وسلح آخر، صمت عن ميليشيا تمارس كل يوم إرهابها على المواطنين، وصفق للتمرد، وقسم ما تبقى من وطن بحسب مصالح كل دولة، أرادوا يمناً بلا سيادة، بلا قرار، ليظل في حاجة دائمة إليهم، كما تحتاج الضحية إلى الرصاصة الأخيرة كي تنام للأبد.
وعدونا بأن اليمن لن يكون لبنان ولا سوريا ولا ليبيا أو العراق، فإذا به يتحول إلى أكثر من صومال، مزقوه بإسم الإنقاذ، ونهبوه بإسم الإعمار، وغيبوا صوت الناس حين جعلوهم يجوعون ويركضون خلف لقمة عيشهم، ويبحثون عن الماء والكهرباء وكسرة خبز في خرائب تعز وعدن وصنعاء وذمار والحديدة وإب وباقي مناطق اليمن.
عدن التي أعتلت مكانة صنعاء مؤقتاً، تُدار اليوم كمدينة خائفة، تختبئ فيها أُمنيات الشباب الهارب من الفقر ومآسي كثيرة، تأن من أدوات دخيلة وهوية مُغتالة، حالها أشبه بالعاصمة المختطفة صنعاء، هي مختطفة بالفعل، تُحكم عن بُعد، وتُنهب عن قرب، تُطفأ أنوارها، ويُخنق بحرها بالقيود، حتى أن بحرها أصبح أضيق من صدور الناس، وأثقل من ذكريات الأمل، وثغرها لم يعد باسم.
ما يتعرض له اليمن من خذلان ليس وليد اللحظة، بل ضحية لخيانة مُركبة من الداخل والخارج، ممن يدعون تمثيله، وممن يدعون حمايته ومساندته، نقف اليوم على ركام الأحلام، نتساءل من يمثل من؟ ومن يحمي من؟ وكيف سُرقت منا الدولة في وضح النهار؟
أسئلة قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في أعماقها وجع أُمة، وتُوقظ فينا الخيبات، كأنها مرايا صغيرة تعكس صوراً كبيرة لحقيقة نهرب منها ولا نملك إلا مواجهتها، سُرق منا وطن بخيانة من حملوا مفاتيحه لا ليحرسوه، بل ليفتحوا أبوابه لرياح الخارج، سُرق الوطن منا حين نامت الشرعية على وسائد الوهم، بينما كانت الميليشيا تبيع الوطن وتسلمه للنظام الإيراني وتنهش جسد الدولة من الداخل، لتبارك العواصم الكبرى تمزيق الخريطة اليمنية بعقود واتفاقيات، وبتفاهمات لم يعرف عنها اليمنيون سوى نتائجها لاحقاً، كان الأمر أشبه بموت بطيء لوطن كان يحكمه علي عبدالله صالح.
اضف تعليقك على المقال