الكاتب : محمد العرشاني
الشيخ منصور الحنق… رجلٌ سار على درب الكرامة، ومضى بقبيلته نحو العزة، فكتب اسمها بمداد من نور في سفر البطولة اليمني
حين تكشّفت خيوط الظلام الحوثي في عام 2014، وبدأ زحفه نحو العاصمة، لم يكن في الميدان سوى قلة من الرجال، وكان الشيخ منصور الحنق في طليعتهم. وقف بشموخ القائد، واستنهض قبيلته العتيدة “أرحب”، فهزّت الأرض تحت أقدام المعتدين، وكان لهم شرف دحر أولى طلائع التمرد، في نصرٍ بقي وحيدًا في تلك الأيام العصيبة، قبل أن تؤول العاصمة إلى السقوط، وتتهاوى بعدها سائر المناطق اليمنية
ومع سقوط صنعاء، لم يسقط معه الأمل، بل شدّ رحاله إلى مأرب، وهناك غرس أولى بذور المقاومة. ومع ثلة من القادة الشرفاء والمشائخ الأحرار، بدأت الانطلاقة من “لواء 101”، الذي صار نواة الجيش الوطني، وكانت تلك اللبنة الأولى في صرح النضال الممتد عبر سنواتٍ عشر، كان للشيخ منصور فيها قدم السبق، ولسواعد أرحب نصيبٌ وافرٌ من البذل والفداء
لم تكن الحرب بالنسبة له مغنمًا، بل عهدًا وعقيدة. لم يطرق أبواب الفنادق، ولم يتكئ على أرائك الانتظار في المجالس ، ولم يجعل من نضاله وسيلةً لتقاسم كعكة الدولة. ظل مع أبنائه في متارس الشرف، تحت شمس الصحاري وزمهرير الجبال والحيود، في المواقع التي لا يراها الإعلام، ولا تزورها الوفود.
في الوقت الذي اعتلى فيه البعض مناصبهم على أكتاف التضحية، ظل الشيخ منصور يحمل وجع رفاقه، ويدفع من عرقه وقوت أبنائه لتغطية عجز الجبهات من العتاد والمؤن. لم يطلب يوما لنفسه شياءً ، وكان يكفيه من الدنيا أن يرى راية الجمهورية ما زالت ترفرف في زاوية ما من أرض اليمن.
أما قبيلته، فقد كانت من أكثر القبائل تضحية، ومن أقلها حظًا في المكاسب، قاومت، وهاجرت.
رجاله جياع إلا من الكرامة، وفقراء إلا من العزة، لأنهم ما عرفوا طرق الثراء من خزائن الدولة، ولا تقنصوا المناصب في لحظة التزاحم، بل كانوا حيث يجب أن يكون الرجال على خطوط النار.
أما الإعلام، فلم يكن منبره، ولا رفيق دربه. ترك التلميع لغيره، واشتغل على الأرض، يؤمن أن العمل الصامت هو أصدق المعارك .
وفي مشهد الفقد العظيم، زف الشيخ منصور ابنه، عبدالله شهيدا مجيدا . الشاب الذي حفظ كتاب الله كما حفظ تراب وطنه، والذي ما غاب عن ثغر من ثغور الجبهات. استشهد عبدالله واقفًا كما يليق بأبناء الرجال، ومضى إلى ربه يلحق بركب من سبقوه من رفاقه على درب الحرية والكرامة.
إنها ليست حكاية رجل، بل أسطورة نضال، وملحمة من الوفاء والتجرد والتضحية.
نسأل الله أن يحفظ الشيخ منصور، ويبارك له في بقية أبنائه، ويجزيه عن الوطن خير الجزاء وان يرحم نجله الشهيد ويدخله مدخل صدق عند مليك مقتدر
اضف تعليقك على المقال