يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

أين الله؟! ولماذا لا ينتقم لغزة؟!

غدير عبدالكريم العقيلي

 

الكاتبة : غدير عبدالكريم العقيلي

لمن يسأل: أين الله؟ ولماذا لاينتقم لغزة؟!

في زوايا الوجود وتحت سماء الزمان، تنساب أسئلة النفس كجدول رقراق لا ينضب؛ فتتساءل: أين الله؟ ولماذا لا يظهر قوته في انتقام غزة؟! ومن هنا نستخلص أن السؤال "أين الله؟!" ليس جوابًا يُقاس بتقلبات الأحداث، بل هو رؤية روحية تتجاوز المرئي والملموس، حيث يستقر الله في قلوب المؤمنين ويتجلى في كل ما يحدث من تدبير وإرادة.

إن معاني الوجود متشابكة بقدر تعقيد أسئلتنا؛ فالإيمان ليس بمنطق الانتقام الفوري، بل هو رؤية للسرمدي والعقيدة التي تفصح عن حكمة الخالق في توقيت الحوادث. يقول الله تعالى في محكم كتابه: {وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}، فهنا تذكير بأن ما يبدو على سطح الأمور قد يخفي وراءه مآلات فاضلة وحكمة إلهية لا يدركها الإنسان في مقتضى زمنه المحدود.

ولعل من دلائل هذه الحكمة ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قال لهم: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ». فَسَأَلَهُمْ النَّبِيُّ: «أَوْ قَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟» فَأَجَابُوا: «نَعَمْ!» فَقَالَ لَهُمْ: «ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ».

 إن في هذا الحديث المبارك، الذي رواه أبي هريرة، موعظة لكل قلب مرتاع؛ إذ يكمن الإيمان الحق في الصمت واليقين الراسخ بعظمة الله التي تفوق حدود فكرنا البشري، وإن التحدث بما لا يفهمه القلب يزيد من زيف التجارب الدنيوية.

في غزة، كما في كل مهبط للدهر، تبدو الآلام كمرايا تعكس حقيقة أعمق؛ حيث لا يتجسد الانتقام بأبشع صور الدمار، بل تقدم الحياة دروسًا في الصبر والاحتساب. 
هو تساؤل عن عدالة الخالق التي تتجلى عبر قصص الأنبياء والأمم التي دارت أحداثها عبر الدهور؛ إذ لكل واقعة وقع وحكمة مخفية، كما أن لكل جرح شفاء، ولجميع المصائب ترويض من رب السماوات.

إن التشبيهات الدينية في معاني الآلام تذكرنا بأن الأرض ليست مسرحًا لصراع الظلمات والضياء فحسب، بل هي ساحة اختبار يعلو فيها صوت الإيمان؛ فكأن الجراح على الوجوه والصمت في القلوب يحاكيان طيف العودة إلى حضرة الرحمن، حيث تُفتح الأبواب أمام العبد ليعي بمرور الزمن أن لكل داء شفاء، ولكل حدث وقع حكمة في الخفاء.

إن الإنسان حين يتأمل في مآسي غزة يرى في عينيه دلالات على عظمة الله التي لا تُقاس بمقياس اللحظة العابرة؛ فيدرك أن رحمة الله وسعة بصره تفوقان حدود تصورنا البشري، وأن الانتقام المعلن لا يأتي إلا بتوقيت إلهي لا يعلمه إلا الله وحده، وفي هذا الصمت الإيماني يتبدد السكون الذي قد يخيم على القلب حين يتأمل حكمة الخالق في أحداث الدنيا.

إن العدل الإلهي لا يتعارض مع الصبر والتسليم، بل يدعو إلى التفكر في معاني الحياة ومقاديرها. إنه لمن يستنير بعين العقل والقلب أن يرى أن لكل مصيبة حكمة، ولكل ابتلاء بعد، وربما تكون الآلام وما يعانيه الإنسان من ظلم مؤقتًا لتحقيق مصلحة أبدية لا يدركها إلا المتقون.

إن للرب الحكيم توقيته في الحوادث؛ فإن فهمت فالتزم، وإن لم تفهم فسلام.

اضف تعليقك على المقال